جديد الفيديو
المتواجدون الآن
| 01-12-1433 08:47 PM
سورة القارعة(1)
أولاً: حول السورة:
1. عدد آياتها: (11) آية.
2. موضوعها: التفرق والاختلاف في المصير والمآل(2).
3. مناسبة السورة لما قبلها:
عند البحث في مناسبة السورة لما قبلها، يمكننا النظر من زوايا عدة، تفتح لنا مجالات أوسع للمناسبة، ومن ذلك النظر إلى ختام السورة السابقة ومبدأ السورة اللاحقة، كما يمكننا النظر من خلال موضوع السورة السابقة وموضوع السورة اللاحقة، كما يمكننا النظر في مبدأ السورتين، ومدى إمكانية الربط بينهما، وسنطبق ذلك على هذه السورة.
فمن حيث ختام السورة السابقة، ومبدأ السورة اللاحقة يمكننا القول: لما ختمت سورة العاديات بما يدل على دقة المعرفة بأحوال العباد ﴿إن ربهم بهم يومئذ لخبير﴾، وكان ذلك إشارة إلى يوم عظيم ﴿يومئذ﴾؛ ناسب أن تبدأ سورة القارعة بما يصور هول ذلك اليوم، وما فيه من تغير الأحوال، فجاء ذكر القرْع، وتشتّت الناس، وتفتّت الجبال، يقول الرازي:" اعلم أنه سبحانه وتعالى لما ختم السورة المتقدمة بقوله: ﴿إِنَّ رَبَّهُم بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّخَبِيرٌ﴾، فكأنه قيل: وما ذلك اليوم؟ فقيل هي القارعة"(3)، وقريب من هذا قول ابن الزبير الغرناطي: "لما قال الله سبحانه وتعالى: ﴿أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور﴾ كان ذلك مظنة لأن يسأل: متى ذلك؟ فقيل: يوم القيامة الهائل الأمر، الفظيع الحال، الشديد البأس، والقيامة هي القارعة(4). ويقول البقاعي: "لما ختم العاديات بالبعث، ذكر صيحته فقال: (القارعة) أي الصيحة أو القيامة"(5)، ويقول أبو حيان: "ومناسبتها لما قبلها ظاهرة، لأنه ذكر وقت بعثرة القبور، وذلك هو وقت الساعة"(6).
وإذا نظرنا إلى مطلع كل منهما لمحنا كيف أن سورة العاديات بدئت بما يصور قوة الضرب والاحتكاك والاصطكاك لدرجة إيراء النار، من مخلوق جميل مألوف لنا، وبدئت سورة القارعة بما يصور ما ذكر ولكن من مخلوقات أعظم وأكبر، مما يعني أننا إذا كنا نعجب ونعظّم ما نراه من أمر الخيل في هذه الدنيا، فيكف بنا إذا حصل القرع الأعظم، وحصلت الداهية الدهياء!
ومن حيث الموضوع يمكننا القول: إن سورة العاديات أشارت إلى دقة الكشف عما داخل النفوس، ووصفه سبحانه بـ(الخبير)، فجاءت سورة القارعة لبيان عظم القدرة للخبير سبحانه بأحوالهم.
وإذا نظرنا إلى موضوع السورتين، وجدنا أن سورة العاديات بنيت على إيضاح صفتي العرفان والجحد، وجاءت سورة القارعة لبيان اختلاف مآل كل منهما، من هناء العيشة، وصلي النار، في صورة تخلع القلوب وتزلزلها.
وهنا لفتة لطيفة حيث يمكننا الربط بين السور الثلاث المتتالية (الزلزلة، العاديات، القارعة) في المطلع، والمقطع، والموضوع، فأما المطلع فنجد الحركة العنيفة للأرض، وإخراج ما فيها في سورة الزلزلة ﴿إذا زلزلت الأرض زلزالها* وأخرجت الأرض أثقالها﴾، وهذا شأن أخروي، ونجد في سورة العاديات الإشارة إلى قوة ضرب الأرض بسنابك الخيل، وهذا شأن دنيوي، بينما جاءت سورة القارعة لتصور قوة الضرب أو الاصطكاك، وهذا شأن أخروي.
وأما المطلع، فنجد سورة الزلزلة ختمت بالإشارة إلى دقة الوزن للأعمال في الدنيا ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره* ومَن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره﴾، وهذا شأن دنيوي، وختمت سورة العاديات بدقة العلم بحال الناس ﴿إنّ ربهم بهم يومئذ لخبير﴾ وهذا شأنٌ أخروي، وختمت سورة القارعة بالنص على وزن الأعمال في الأخرى ﴿فأما مَن ثقلت موازينه فهو في عيشة راضية* وأما مَن خفَّت موازينه فأمه هاوية﴾ وهذا شأنٌ أخروي.
ومما يسبق يمكننا أن نلمح موضوع الوزن، فقد جاء في سورة الزلزلة لأعمال الدنيا، وفيه لفتٌ للنظر إلى العناية بصغير الأعمال وكبيرها، دقيقها وجليلها، وأنّ ذلك مُحصى وموجود، ثم جاء في سورة العاديات ما يناسب دقة ذلك الإحصاء، وهو وصف الله عز وجل بصفة الخبرة ﴿إنّ ربهم بهم يومئذ لخبير﴾، ونتج عن ذلك ما في سورة القارعة ربط نجاة الإنسان وخسرانه بوزن أعماله التي عملها من قبلُ في الدنيا. والله أعلم وأحكم.
4. مناسبة المطلع للمقطع:
لما بدئت السورة بالقرْع وتغيّر الأحوال، مِن تشتّت الناس، وتفتّت الجبال؛ مما يؤذن بالهول والخوف، خُتمت بما يحدد مآل كل فريق من عيش هنيء أو نار محرقة، "وعن الضحاك: القارعة النار ذات الزفير، كأنه يريد أنها اسم جهنم"(7)، وعلى هذا فتكون السورة قد بدئت وختمت بها، يقول الرازي: "معناه لا علم لك بكنهها، لأنها في الشدة بحيث لا يبلغها وهْم أحد ولا فهمه، وكيفما قدّرته فهو أعظم من تقديرك، كأنه تعالى قال: قوارع الدنيا في جنب تلك القارعة كأنها ليست بقوارع، ونار الدنيا في جنب نار الآخرة كأنها ليست بنار، ولذلك قال في آخر السورة: ﴿نَارٌ حَامِيَةٌ﴾ تنبيهاً على أن نار الدنيا في جنب تلك ليست بحامية، وصار آخر السورة مطابقاً لأولها من هذا الوجه"(8).
وقد يكون في المطلع إشارة إلى الإخافة بالصوت والقرع، وفي مقطعها إخافة بالنار والحرق.
لتحميل الدرس كاملاً
________________________
(1) ألقيَ هذا الدرس بجامع الرحمن بتبوك، في يوم الاثنين الموافق 10/4/1430هـ.
(2) يقول البقاعي :" مقصودها إيضاح يوم الدين بتصوير ثواني أحواله في مبدئه ومآله ، وتقسيم الناس فيه إلى ناج وهالك". نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (8 / 513).
(3) التفسير الكبير - (ج 32 / ص 67)
(4) نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (8 / 513).
(5) نظم الدرر ـ موافق للمطبوع - (8 / 513)
(6) تفسير البحر المحيط - (ج 8 / ص 503)
(7) التحرير والتنوير ـ الطبعة التونسية - (30 / 510).
(8) التفسير الكبير - (ج 32 / ص 68).
|
خدمات المحتوى
| تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0 Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.
الرئيسية
|الصور
|المقالات
|الأخبار
|الفيديو
|الصوتيات
|راسلنا | للأعلى
لتصفح أفضل:
استخدم موزيلا فايرفوكس
|
|