جديد الفيديو
المتواجدون الآن
| 09-24-1431 02:05 AM واحفظوا أيمانكم (28/1/1417هـ)
الخطبة الأولى:
أما بعد.
فيقول الله عز وجل : ﴿واحفظوا أيمانكم﴾ يأمر الله عز وجل عباده بحفظ اليمين، لم ؟ لأنها عهد وميثاق، إن اليمين –يا عباد الله- ليست مجرد كلمة تمر على اللسان، إن اليمين ليست ورقة يلعب الناس بها في مواطن البيع والخصومات، إن اليمين ليست سلعة ينفق منها عُبَّاد المال في مواطن شهادات الزور، إن اليمين ليست لافتة يُروج بها التاجر بضاعته، إن اليمين عهد مغلظ، وميثاق عظيم، يجب أن تصان، ويعرف مكانها، إن شأن اليمين عند الله لعظيم، وإن التساهل بها لجسيم، إن الحلف بالله، يجب أن يوقف عنده، وأن يحترم جانبه، وأن يصدق قائله، لأنه حلف بالله العظيم، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من حَلَفَ بالله فليَصْدُقْ، ومن حُلِفَ له بالله فليرض، ومن لم يرض فليس من الله)) صحيح ابن ماجة .
ولهذا فيجب على المسلم أن يقدر هذه اليمين قدرها، ويحفظ لها هيبتها، ولا يلجأ إليها إلا عند الحاجة، لأن الله أمر بحفظها، ولأن كثرة الحلف ليست من صفات المتقين، بل هي من صفات المشركين، قال تعالى : ﴿ ولا تطع كل حلاف مهين ﴾[ القلم : 10]، (والحلاف) هو كثير الحلف، وما ذاك إلا لأن كثرة الحلف فيها استخفاف بالمحلوف به، وهذه أيضاً هي صفة المنافقين حيث يقول الله عز وجل عنهم : ﴿يحلفون على الكذب وهم يعلمون﴾ [ المجادلة : 14]، والتعبير بالمضارع (يحلفون) يدل على تجدد ذلك منهم مرة بعد مرة، وقال الله عز وجل عنهم أيضاً : ﴿اتخذوا أيمانهم جنة﴾ [المنافقون: 2]، أي جعلوها وقاية، يتقون بها ما يكرهون، ويخدعون بها المؤمنين.
إن تكرار اليمين بسبب يدل على الاستخفاف بالمحلوف به وعدم تعظيمه، وهذا يتنافى مع مقصود اليمين، لهذا أصبح الناس لا يثقون في أيمان بعضهم، لكثرة الحلف وكثرة الكذب فيه، أصبح الناس يغشون بعضهم ثم يلبسون ذلك ثوب اليمين لينفقوا بضائعهم، وليقضوا أعمالهم، وليخدع بعضهم بعضاً، وهذا بعض فعل المشركين والمنافقين، ومن قبلهم إبليس الذي أقسم لآدم وزوجه بأنه ناصح، قال تعالى : ﴿وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين ﴾ [ الأعراف : 21] .
أيها الفضلاء، إن صور استغلال الناس للأيمان وتساهلهم بشأنها كثيرة نذكر منها :
أولاً : ترويج السلع والبضائع :
بعض التجار، اليمينُ على لسانه أكثر من أي كلام آخر، لا يبيع إلا بها، ويا ليتهم يصدقون في ذلك، بل أكثرهم يكذبون، وكل مرادهم هو بيع السلعة والربح السريع، فإلى كل من تعود لسانه الحلف لأجل إنفاق سلعة أنقل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ((ثلاثة لا يكلمهم الله ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم : أشيمط زان، وعائل مستكبر، ورجل جعل الله بضاعته، لا يشتري إلا بيمينه، ولا يبيع إلا بيمينه)) رواه الطبراني بسند صحيح .
فانظر - رعاك الله - كيف قرن صاحب هذه اليمين مع الشيخ الزاني، والفقير المتكبر، وما ذاك إلا لبيان عظم الجرم الذي اغترف، والذنب الذي اقترف.
معاشر الفضلاء، لقد رأينا صوراً من ذلك ظاهرة في بيع السيارات خاصة، يأتي الرجل ليشتري فيسال عن السيارة، وهل من عيب فيها، فيحلف البائع أيماناً مغلظة أنه لا يعرف فيها عيباً، وهي ليست كذلك، أي غش هذا ؟ أي جراءة على رب العالمين هذه ؟ .
والأمر ظاهر أيضاً في بعض مبايعات المكاتب العقارية فيما يخص الأراضي والعقارات، يحلفون للمشتري بأن سعر الأرض كذا وكذا، وأن مثلها بيع بهذا الثمن، وأنها سيمت بهذا السعر، كل ذلك ليقع المشتري ويربح المكتب وصاحب العقار، إلى كل الباحثين عن الربح، اللاهثين وراء المال، إليهم قوله صلى الله عليه وسلم: ((الحلف منفقة للسلعة ممحقة للكسب)) رواه البخاري، وقوله صلى الله عليه وسلم: ((إياكم وكثرة الحلف في البيع، فإنه يُنفِّق ثم يمحق)) رواه مسلم .
ثانياً : الحلف من أجل كسب الخصومات :
إن بعض الناس لا يهمه إلا كسب القضية، سواء أكان على حق، أم على باطل، ويعد ذلك رجولة وشجاعة، لذلك فهو لا يتورع أبداً عن اليمين لو طلب منه، فتجده يطلقها دون مبالاة بحرمتها، ولا تقدير للمحلوف به، وكأنه لم يسمع ذلك الوعيد الشديد، والزجر والتهديد، الوارد في قوله تعالى : ﴿ إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ﴾[ آل عمران : 77].
فانظر - رعاك الله - إلى تلك النتيجة الخطيرة، من عدم حفظ اليمين، والله إن العاقل ليقف أمام هذه الآية متأملاً، يعود إلى ربه تائباً منيباً، إن حيازة الدنيا كلها لا تساوي أن يقع المسلم في مثل هذا الوعيد الشديد، فهل هناك متعظ ؟ ولأجل كثرة تساهل الناس باليمين أضحى كثير منهم لا يثق بيمين صاحبه مع عظمها وشدة حرمتها، جاء رجل من كندة يقال له امرؤ القيس فخاصم رجلاً من حضرموت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في أرض، فقضى على الحضرمي بالبينة فلم يكن له بينة فقضى على امرئ القيس باليمين، فقال الحضرمي أمكنته من اليمين يا رسول الله، ذهبت ورب الكعبة أرضي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من حلف على يمين كاذبة ليقتطع بها مال أحد لقي الله عز وجل وهو عليه غضبان، وتلا رسول الله ((… إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا … )) الآية . رواه الإمام أحمد والنسائي وأصله في الصحيحين .
وهناك فئة من الناس يظنون أن الحلف على بعض الأمور اليسيرة لا يضر، فنذكر هؤلاء بقوله صلى الله عليه وسلم : ((من اقتطع مال امرئ مسلم بيمينه، فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة، فقال رجل : وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله ؟ قال : وإن كان قضيباً من أراك)) رواه البخاري
وإلى الذين يتعمدون الحلف وهم كاذبون، هذا الوعيد الشديد من نبي الأمة حيث يقول : ((الكبائر: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس، واليمين الغموس)) رواه البخاري، وفي رواية له أن أعرابياً سأل عن الكبائر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإشراك بالله، قال ثم ماذا ؟ قال : اليمين الغموس، قلت: وما اليمين الغموس ؟ قال : الذي يقتطع مال امرئ مسلم))، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من حلف على يمين مصبورة (متعمداً) فليتبوأ بوجهه مقعده من النار)) رواه أبو داود وأحمد والحاكم وقال على شرط الشيخين .
ثالثاً : الحلف على الامتناع عن فعل الخير :
قال تعالى : ﴿ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله ... ﴾ [ النور : 22]، أي لا تحلفوا ألا تصلوا قراباتكم وتتصدقوا على المحتاجين، فإن حصل هذا من إنسان بأن حلف على ألا يزور أقرباءه، أو أن يمتنع عن تقديم عطية كانت لهم، أو على أن يترك أي فعل خير، فعليه أن يكفر عن يمينه ويأتي الذي هو خير، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت عن يميني)) رواه البخاري ومسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((من حلف يميناً على قطيعة رحم أو معصية فحنث، فذلك كفارة له)) ذكره الألباني في صحيحه .
وإذا حلف على ترك مباح كلبس ثوب أو ركوب دابة أو أكل طعام، فإنه يُخّير بين الاستمرار على يمينه وترك المحلوف عليه، أو استعماله والتكفير عن يمينه، قال تعالى : ﴿ فرض الله لكم تحلة أيمانكم ﴾[ التحريم : 2]، أي شرع تحليلها بالكفارة وهو ما ذكره في سورة المائدة في قوله تعالى : ﴿ فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم ...﴾ [ المائدة : 89]، فمن لزمته كفارة اليمين فهو مخير بين الإطعام، والكسوة والعتق فإن عجز عن ذلك لزمه صيام ثلاثة أيام متتابعة .
عباد الله، أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية:
أما بعد ،
فمن الأيمان المحرمة : الحلف بغير الله، وهو شرك لقوله صلى الله عليه وسلم : ((من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك ))رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم.
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من كان حالفاً فليحلف بالله أو ليصمت)) متفق عليه، وقال صلى الله عليه وسلم: ((من حلف بالأمانة فليس منا)) حديث صحيح رواه أبو داود.
والحلف بغير الله شرك لأن الحلف بالشيء تعظيم له، والتعظيم الذي من هذا النوع حق الله، فالحلف بغيره من اتخاذ الأنداد له، وقد قال الله تعالى : ﴿ فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ﴾[ البقرة :22]، قال ابن عباس رضي الله عنهما : هو أن تقول وحياتك وحياتي، وقد كثر هذا وأمثاله في زماننا، فتجد من يحلف بالشرف، أو يحلف بالنبي أو بالأمانة، وكل هذا مما نهى عنه الله ورسوله، فيجب على من صدر منه هذا أن يتوب إلى الله، ولا يحلف إلا بالله عز وجل ليسلم من الشرك، قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه وغيره : (( لأن أحلف بالله كاذباً أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقاً)) .
ومن صور الحلف المحرم أيضاً : الحلف بالآباء، قال عليه الصلاة والسلام : ((لا تحلفوا بآبائكم فمن حلف بالله فليصدق ...)) صححه ابن ماجه.
ومنه الحلف بالكعبة : جاء رجل إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقال : (أحلف بالكعبة؟ قال : لا، ولكن احلف برب الكعبة، فإن عمر كان يحلف بأبيه، فقال رسول الله لا تحلف بأبيك، فإنه من حلف بغير الله فقد أشرك) ذكره الألباني في الصحيحة .
وعلى هذا فلا يحلف الإنسان بالكعبة، و لا بالأمانة، ولا بالشرف، ولا بالعون، ولا ببركة فلان، ولا بحياة فلان، ولا بحياة النبي، ولا بجاه الولي، ولا يحلف بالآباء والأمهات، ولا برأس فلان، فمن وقع في شيء من ذلك فكفارته أن يقول [ لا إله إلا الله ]، قال صلى الله عليه وسلم : ((من حلف فقال في يمينه واللات والعزى، فليقل لا إله إلا الله)) متفق عليه .
ومما لا يؤاخذ به العبد لغو اليمين كقوله: لا والله، أو بلى والله بأن تجري على لسانه دون قصد، لكن الأيمان المنعقدة هي التي يقصدها الإنسان بقلبه، ويعول عليها بالفعل أو الترك، قال تعالى : ﴿ لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ﴾[ المائدة : 89] .
ومما لا يحنث فيه الإنسان أيضاً اليمين المستثناة قال صلى الله عليه وسلم : ((من حلف واستثنى فلن يحنث)) صحيح ابن ماجه . أي قال مثلاً ( والله إن شاء الله)، وقال صلى الله عليه وسلم : ((من حلف واستثنى إن شاء رجع، وإن شاء ترك غير حانث)) صحيح ابن ماجة .
عباد الله ، صلوا وسلموا على الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك الله ﴿ إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً﴾ [ الأحزاب:56] .
|
خدمات المحتوى
| تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0 Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.
الرئيسية
|الصور
|المقالات
|الأخبار
|الفيديو
|الصوتيات
|راسلنا | للأعلى
لتصفح أفضل:
استخدم موزيلا فايرفوكس
|
|