تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
01-08-1433 09:09 PM



(دعاء السفر)


ربما نتفق أن الحدث الأكثر ظهوراً، والأظهر اهتمامًا هذه الأيام هو السفر وما يتعلق به، وقد يكون هذا أمرًا طبعيًا بعد تقييد حركة الأسرة لعدة أشهر، بسبب ارتباط الأبناء بالدراسة، فما إن تبدأ الإجازة، إلا ويتأهب الجميع لدفع الرتابة والملل بالخروج والتنـزه والسفر.
وبما أننا مسلمون فلنا ضوابطنا التي تميزنا عن غيرنا في أمور كثيرة، منها: السفر والتنـزه، إذ لا يعني السفر عندنا التخلصَ من كل قيد، والتحللَ من كل ممنوع، وممارسةَ ما يحل وما يحرم، كما لا يعني ذلك تحويلَ السفر إلى أوامر ونواهٍ، وضوابطَ وحدود؛ تجعل منه سجنًا فسيحًا، كلا، السفر ليس هذا ولا ذاك، بل هو سياحة في أرض الله، واستمتاع بما خلق الله، مع الخضوع لأمر الله.
ومما تغفل عنه النفوس كثيرًا رغم ظهوره، ويتجاهله كثير من المسافرين رغم الحث عليه، دعاء السفر، وما يتضمنه من معانٍ ودلالات.

إننا ربما نكون قد تعودنا السفر دون أن نسمع هذا الذكر، أو نُسمِعَه أبناءَنا، وقد نكون تعودنا سماعَه، لكن دون فهم لكثير من محتواه، أو في مدلوله وفحواه.
إنه دعاء عظيم، وذكر جليل، سهت عن النفوس، وتغافلت عنه القلوب، ذكر يربط المسافر بربه، ويذكره بخالقه، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كَانَ رسول الله- صلى الله عليه وسلم - كان إذا استوى على بعيره خارجًا إلى سفر كبر ثلاثًا، ثم قال: " سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين، وإنا إلى ربنا لمنقلبون، اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، اللهم هوِّن علينا سفرنا هذا، واطو عنّا بُعدَه، اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل»، وإذا رجع قالهن، وزاد فيهن: "آيبون، تائبون، عابدون لربنا حامدون" رواه مسلم.
بدأ هذا الذكر بالتكبير ثلاثًا: (الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر)، ليكون الله جلّت قدرته هو الكبير في عقل، وذهن، واعتقاد هذا المسافر، لتزداد ثقته بخالقه، ويعظم ارتباطه بربه.

ثم ينـزه الداعي ربه بقوله: (سبحان الذي سخر لنا هذا، وما كنا له مقرنين)، إنها إشارة إلى تعظيم الله وتنـزيهه جلّت قدرته، كما فيه اعتراف بفضله سبحانه بتسخير هذا المركوب لنا، وهذا ملمحٌ يخفى على كثير من الناس، فهو يظن أنه إذا تفقد السيارة، أو كانت جديدة؛ أنها لن تتعطل، وأنه في أمان منها، وهذا غير صحيح، فالأمر مرتبط بتيسير الله للإنسان في ذلك كله، ويظهر ذلك جليًّا في قوله: (وما كنا له مقرنين)، أي: مطيقين أو ضابطين، فليحمد اللهَ الإنسانُ على نعمة التسخير، ويشكره جلّت قدرته على منته، ويعرف فضله عليه.

وفي قوله: (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) تنبيه للمسافر بتذكر العودة إلى ربه، حتى لا ينسى مصيره ومآله، ذلك أن الانقلاب يعني الرجوع إلى المكان الذي فارقه صاحبه، كما إن في ذلك إلماحاً لطيفاً لكون حياتنا كلها سفر وترحال، وأن نهاية السفر في ذلك كله إلى الله، وأن المصير والمآل مهما امتد العمر إلى الله، كما أن في ذلك إلماحًا آخر إلى أن القادر على إعادة الميّت إلى الحياة، قادر على إعادة المسافر إلى أهله سالمًا غانمًا، فهل شعرنا بمثل هذه المعاني ونحن نردد هذا الذكر العظيم؟

فهل تأملت هذه المقدمة العجيبة لدعاء السفر عند الركوب، هل وقفت مع هذا الجزء من هذا الدعاء لتتفهم معناه، وتدرك شيئا من مغزاه! تأمل كيف أوقفك هذا الجزء على ما ينبغي التنبه إليه، والاهتمام به، نبهك إلى ما يُنسى غالبًا، وتغفل عنه القلوب عادة، من نسيان شكر الله، والاعتراف بنعمته، والاعتماد عليه سبحانه؟.
ثم تأمل –حفظك الله- إلى تلك المطالب، وذلك التضرع من العبد الفقير (المسافر) لخالقه ومولاه الذي يحفظه ويرعاه: (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى).

ما أجمل هذا الدعاء، وما أعظم مدلوله، إن لفظة السؤال في قول المسافر: (نسألك)، توحي بضعف الطالب، وقوة المطلوب، وإن مظهر الجمع الوارد في الحديث كله (نسألك، سفرِنا...) دون (أسألك، سفري) يوحي بفضل الجماعة في السفر، والبعد عن الوحدة، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ : أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- :« مَنْ صَحِبَكَ؟ ». قَالَ : مَا صَحِبْتُ أَحَدًا، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: " الرَّاكِبُ شَيْطَانٌ وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ وَالثَّلاَثَةُ رَكْبٌ "، رواه البيهقى في سننه، وأحمد في مسنده.

إن هذا الدعاء الخاص بالسفر لحظة الركوب يوقفنا على كثير مما ينبغي التنبه له، وما ينبغي طلبه، ولو تأملت أيها المسافر-رعاك الله- لرأيت إن أول مطلب هو (البرُ والتقوى)، والبر هو الخير، وهو من أوسع مدلولاته، فعلى المسافر أن يحرص على هذا الخير الذي يسأله إما ببذله لغيره، أو تحصيله لنفسه، أما التقوى فهي مراقبة الله والخوف منه، وأمرها عظيم في السفر؛ لأنه مظنة التعرض لما يصرف الإنسان عن الحق، أو يغريه بالباطل، أو يسول له المحرم، وهنا يأتي أثر التقوى لحجزه عن كل ذلك، لهذا على المؤمن أن يسأل ربه ذلك بصدق، ليكون الله عز وجل معه، يحفظه ويرعاه، ويوقظ في قلبه مراقبته سبحانه؛ ليسلم من غوائل الشرور كلها في سفره ذاك.

والمطلب الثالث: (ومن العمل ما ترضى)، وسر النص على العمل خصوصًا؛ لأن السفر مظنة نقص العمل، أو التهاونِ فيه، أو عدمِ العناية به، لذا جاء تقييده بالعمل الذي يرضاه الله (ومن العمل ما ترضى)، وكأن السفر قد يقود إلى أعمال لا يرضاها الله، الواقع يشهد بهذا، فليتنبه المسافر لمثل هذا.

كما نجد في هذا الدعاء العظيم اهتمامًا بتهوين مشقة السفر، وتخفيف عنائه، وطول مسافته (اللهم هون علينا سفرنا هذا، واطو عنا بُعده)، وكم يشعر من دعا بهذا الدعاء بالفارق الكبير بين الحالين، كم يشعر بطي البعد، وهون السفر؛ لأنه مع الله، واستعان بالله.

كما نجد في هذا الدعاء العظيم كيف يهتم المسافر بالصحبة، وبمن يخلف على أهله (اللهم أنت الصاحب في السفر، والخليفة في الأهل)، وكأن السفر فيه وحشة وقلق وخوف، إما على النفس، فهذا يذهب بـ(أنت الصاحب في السفر)، وإما على الأهل، فهذا يذهب بـ(والخليفة في الأهل)، وبهذا يطمئن قلب المسافر، ويأنس في سفره.

وحتى يستمر هناؤه، ويعظم سروره، جاء التعوذ من ثلاثة أمور، هي من أعظم ما يؤثر في ذلك السرور والأنس، إنها الواردة في قوله: (اللهم إنا نعوذ بك من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل)، إنه التعوّذ بالله من وعثاء السفر، وكآبة المنظر، وسوء المنقلب في المال والأهل، ويالها من مطالب ما أعجبها، وما أعظمها، وما أغفل الناس عنها!.

وهل فجائع السفر إلا هذه؟، وهل منغصات السفر إلا هذه؟ إما مشقة مُقلقة، وإما منظر مروع، وإما منقلب غير سار في أهلٍ أو مالٍ أو ولد، ما أغفل الناس عن هذه الأمور، وما أزهدهم في التفكر فيها!

إننا والله لنعجب ممن يرفع الغناء في سيارته، ويملأها بالتصاوير والتماثيل، كيف يتناسب مع دلالات هذا الدعاء الجليل، لا ذكر، لا شكر، لا دعاء، لا سؤال، ارتباطٌ بالشيطان، وبعدٌ عن الرحمن، عياذا بالله.

يا أيها المؤمن، حوادث السيارات كثيرة، وكوارث الطيران متعددة، ومصائب البواخر عظيمة، فمن الحافظ؟، إنه الله، فأين أنت عن هذا الدعاء ؟.

حتى تسلم من مشقة السفر تعوّذ بالله من وعثاء السفر، يسهلْ لك، وتذهب منغصاته، وتسعد به أنت وأسرتك، وحتى تسلم من كآبة المناظر المروّعة في حوادث السيارات، وأشلاء الموتى، فعليك بالتعوّذ من كآبة المنظر، ليصرف الله تلك الصور المروعة، التي تجلب الكآبة والخوف والرهبة، وحتى تسلم من خبر مفزعٍ في أهلك، أو مالك، أو ولد عند عودتك، كسرقة بيت، أو احتراقه، أو إصابة ولد أو أهل بمكروه، فعليك بالتعوّذ من سوء المنقلب في المال والأهل.

يا أيها المسافر، هل أدركت بعد هذا أسرار هذا الدعاء العظيم؟ هل التزمت به في كل أسفارك؟، هل أسمعته أهلك، وحفظته أولادك؟ هل أخرست صوت الشيطان (الغناء) ورفعت صوت الذكر والخير في حال السفر، الذي هو مظنة الخطورة والتعب والمشقة ؟، أما قال صلى الله عليه وسلم: "السَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنَ العَذَابِ، يَمْنَعُ أحَدَكُمْ طَعَامَهُ وَشَرابَهُ وَنَوْمَهُ، فَإذَا قَضَى أحَدُكُمْ نَهْمَتَهُ مِنْ سَفَرِهِ، فَلْيُعَجِّلْ إِلَى أهْلِهِ"متفقٌ عَلَيْهِ .

د. عويض بن حمود العطوي
جامعة تبوك
dr.ahha1@gmail.com

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 736



خدمات المحتوى


تقييم
5.49/10 (11 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس