جديد الفيديو
المتواجدون الآن
| 01-08-1433 08:29 PM
التوسط في الإنفاق
عرفنا فيما سبق من صفات عباد الرحمن ، التواضع واللين ، والحلم وحسن المنطق ، وقيام الليل ، وخوف الجليل ، وإذا كانت هذه هي عبادات الأبدان والأركان ، وعبادات اللسان والجنان ، فإنهم في عبادة المال لهم شأنٌ يذكر ، وصنيعٌ يُذَاع ويُشهر ، إنهم أصحاب سياسة واضحة في معاملتهم مع المال الذي هو أحد فتن الحياة الدنيا ، يقول الله - عز وجل - عنهم : ﴿ والذين لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قواما ﴾ [ الفرقان : 67 ] .
إن الله عز وجل في وصف عباد الرحمن ما قال : والذين ينفقون دون إسراف وتقتير ..! بل قال : ﴿ إذا أنفقوا ﴾ لأن تميزهم ليس في ذات الإنفاق ؛ لأن الناس كلهم ينفقون لكن تميزهم في طريقة الإنفاق ، إنهم قومٌ قاصدون معتدلون .
ولا يقصد بالإنفاق هنا الإنفاق الواجب فهذا لا إسراف فيه ، ولا الإنفاق المحرم فذلك لا يُحمد صاحبه بل إنه ليعد من الإسراف ولو كان شيئاً يسيراً .
التوسط هو لُبّ الفضيلة دائماً ، والتوسط هنا أن يكون هذا المال في يديك لا في قلبك ، لتبلغ به المثُل العليا ، لا أن ينحط بك إلى الدركات السفلى ، فتسخره في ملذات رخيصة ، وتبدده في حياة زائلة إن الله - عز وجل - ما رسم لنا هذا الطريق الوسط إلا لنقف مع أنفسنا في طريقة إنفاقنا ، وتعاملنا مع هذا المال ، أنحن على الجادة أم أننا قد ملنا عنها ؟! إن الجنوح عن هذه الطريقة المتزنة يُوقع في إحدى قضيتين : الإسراف أو البخل وكلا طرفي قصد الأمور ذميم .
فأما الإسراف فقد قال الله عز وجل عنه : ﴿ إذا أنفقوا لم يسرفوا ) وقال سبحانه : ﴿ وكلوا واشربوا ولا تسرفوا ﴾ [ الأعراف :31 ] ، إنه لأمر ذميمٌ حقاً أن يبدو هذا الخير الذي أنعم الله به علينا هكذا دون مبالاة .
تأملوا أبواب هذا الإنفاق من مأكلٍ ومشربٍ ، أو مسكنٍ ومركبٍِ ، كم نرى ونلمس تلك الصور المفرغة من اللعب بالأموال دون وعيٍ أو إدراك ؛ بحجة الترويح أو التسلية ، أو المجاراة والعادة ، أو المبالغة والمفاخرة ، أو اتباع النفس هواها ، واللعب في الملذات ، هذه هي أسباب الانحراف و دوافعه !
المال مال الله لا يحق لنا أن نكفر هذه النعمة بإتلافها ، أو تبذيرها فذلك عمل الشيطان : ﴿ ولا تبذر تبذيراً * إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين ﴾ [ الإسراء : 26 – 27 ] .
تعالوا إلى أيامنا هذه وانظروا إلى الزواجات كم فيها مما يتعارض مع هذه الصفة من صفات عباد الرحمن ( الاقتصاد في الإنفاق ) ، كم فيها من التبذير والإسراف ؟! انظروا إلى التباهي في استئجار صالات الأفراح ، في ليلة واحدة ! بل في ساعات تدفع عشرات الألوف ! ألا يمكن أن تقتصد في ذلك ؟!
في ليلة واحدة تقدم ألوان الأطعمة ، وتنشر الموائد الممدودة ، وتعرض الأصناف المتعددة ، يؤكل قليلها ويرمى في المزابل كثيرها ، أليس هذا من الإسراف والتبذير ؟!
في ليلة واحدة تلبس بعض النساء ملابس بمئات الريالات وربما بالألوف ثم لا تلبسه مرة ثانية أبداً !! ولو كان ذلك عقِبَه بليله أليس هذا إسرافاً وتبذيراً .
في ليلةٍ واحدةٍ يُجلب المغنون أو الشعراء أو غيرهم بآلاف الريالات ثم ينصرفون مخلفين الإِثم والمعصية ، أليس هذا وإسرافاً وتبذيراً ؟ وقبل الزواج وبعده ولائم كثيرة ، وطقوس غريبة ، يُهدرونها في المال ويبرُز فيها الإسراف ؛ ومن ذلك : الحناء ، وأسبوع الزواج .. وغيرها الكثير !
ما هكذا والله يُشكر المُنعم ، وما هكذا تُنال بركة الزواج ، إنها تُنال بالاقتصاد فـ" أعظم النساء بركه أيسرهن مؤونة " [ رواه أحمد والنسائي ، وقال الألباني في " الضعيفة " ( 3/243 ) : ضعيف ] .
تعالوا إلى مجال آخر غير الزواج ؛ ألا يوجد منا من يغير أثاث بيته كل عام ، وبدون سببٍ مقبول ؟ ألا يوجد من يجدد سيارته كل عام منفقاً آلاف الريالات دون مسوغ ؟ وقد يتحمل بسبب ذلك ديوناً كثيرة ، ويتعرض لأحوالٍ عسيرة !
إذا كان التجاوز في الإنفاق في المباحات يعد إسرافاً فإن كل إنفاق في المحرمات بعد تبذيراً ولو كان قليلاً فكيف إذا كثُر ؟
ألا يوجد من يحرق ماله وجوفه بهذا القطران السام ، في صورة سيجارة دخان أو كان على شبهها ؟!! كلَّ يوم ينفق العشرات ، يُعلُ صحته ، ويؤذي نفسه وأهله ، ويبدد ماله فيما لا نفع فيه ، بل هو ضررٌ كله .. أفلا يعتبر هؤلاء الذين ما زالوا يقتطعون بعض أموالهم لشراء الدخان ..
هذا التبذير المذموم مُضرٌ بصاحبه ، مضرٌ بالأمة كلها ، لأن المبذر متلافٌ سفيه ، يضع في شهواته زبدة ماله ، ولا يبغي لأوجه الخير شيئاً .
المؤمن الحق لا يرى الدنيا دار الإقامة حتى يطيل فيها الأمل ، ويكثر في من الملذات وأصناف الحلل ، بل هي دار ممر ، ومثل هذه الدار لا يتجاوز اختبارها إلا المقتصدون المعتدلون ؛ أما أهل التُخم والشبع فيسقطون في مستنقعاتها .
واعلم أيها الكريم ، يا صاحب المال أن الإنفاق في مجال الخيرات لا يعد إسرافاً ولا تبذيراً ، بل هو كرمٌ وجود ، مثلك مأمورٌ به ، تجري حسابات تعرف فيها نسبة إسهامك في أعمال البر إلى نسبة إنفاقك على ملذات الحياة وشهواتك وأنت حسيب نفسك .. والله يرعاك ويسدد خطاك .
فإذا كان الإسراف مذمةً ومنقصة ، وطرفاً ممقوتاً لوسطيةٍ ممدوحةٍ هي الاعتدال فإن البخل والتقتير هو الطرف الممقوت الثاني ، وإذا كنا نجد من يبدد ماله ، ويبذر في إنفاقه ، فإننا نجد في المقابل من يعقد يده ، و يغُلها على حلته ، تأمل رعاك الله هذا الوصف الرائع لمال هذا وذاك ﴿ ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوماً محسوراًً ﴾ [ الإسراء : 29 ] ..
ليس المطلوب أن تقبض يدك على هذه الصورة المذمومة ، فلا يخرج منها نفعٌ لنفسك أو للناس ، ولا أن تجعلها تبدد المال دون ضابط ، عليك بالقصد والاعتدال فذاك هو الطريق ..
فيا أيها المؤمن بربه : ثق بما عند الله ﴿ ما عندكم ينفذ وما عند الله باق ﴾ [ النحل : 96 ] .. إن الذي يجعل يديه ممراً لعطاء الله ، ليصل إلى عباد الله ، يظل مبسوط اليد بالنعمة مكفول اليوم والغد بالغدق الدائم من رحمة الله وكرمة ..
لا تكن - أيها الكريم - مقداماً في تبذير المال في الملذات شحيحاً في الطاعات ، وتذكر أن العوض عند الله : ﴿ ومَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [ سبأ :39 ].
|
خدمات المحتوى
| تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0 Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.
الرئيسية
|الصور
|المقالات
|الأخبار
|الفيديو
|الصوتيات
|راسلنا | للأعلى
لتصفح أفضل:
استخدم موزيلا فايرفوكس
|
|