تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
01-08-1433 08:25 PM



قيام الليل وخوف النار



ما زلنا مع هدي الفرقان في سورة الفرقان ، ما زلنا مع صفات أهل الرضوان من عباد الرحمن ، ما زلنا مع الأخلاق الزاكية ، والخلال العالية ، عرفنا منها فيما سبق صفتي : التواضع فهم يمشون هونا ، والحِلم فهم يجيبون الجاهل عليهم بكلامٍ سالمٍ من العيوب والبذاءة : ﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ [ الفرقان : 63 ].
إنها أخلاقٌ تظهر في هيئاتهم وبيانهم ، في حركة أرجلهم وبنات شفاههم ، هذا شأنهم إذا خالطوا الناس في النهار وقت السعي والعمل ، وقت التعامل مع الناس وأصناف البشر ، أما إذا جن عليهم الليل وخلوا بربهم ؛ فهم العباد الوجلون ﴿ والذي يبيتون لربهم سجداً وقياماً ﴾ [ الفرقان : 64 ] .
كان الحسن البصري رحمه الله إذا قرأ قوله تعالى : ﴿ والذي يمشون على الأرض هوناً ﴾ قال : هذا وصف نهارهم ، وإذا قرأ : ﴿ والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً ﴾ ، قال : هذا وصفهم ليلهم .
مع الناس في النهار تواضعٌ وحلم ، وفي الليل عبادةٌ وخشية ، توازنٌ رائع يحتاجه كل مسلم ، حتى لا تزل قدمه أو يعوج مساره ، هذه الخلوة الإيمانية تصفو فيها النفس ويرق فيها الفؤاد ، إنها علاج لو يعلم الناس .
أما قال الله - تعالى - لنبيه الخائف - صلى الله عليه وسلم - الذي قال " زملوني زملوني " : ﴿ يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا ﴾ [ المزمل :1 ] ؛ قم يا محمد للزاد الذي تواجه به الجهد والنصب ، قم الليل .. لماذا ؟! يقول تعالى : ﴿ إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً ﴾ [ المزمل : 5 ] إنها أعباء عظيمة وأنت تهيأ لها يـا محمد ؛ ﴿ إن ناشئة الليل ﴾ [ المزمل : 6 ] أي : ما ينشأ بعد العشاء ، ﴿ هي أشد وطئاً ﴾ أي : أجهد للبدن ؛ ﴿ وأقوم قيلا ﴾ أي : أثبت للخير .
إنه الإعداد لتحمل مسؤوليات كبرى ، إنه تدريبٌ للانتصار على شهوات النفس الغريبة ؛ النوم ولذة الفراش .

يا أيها المؤمن بربه : إن قيام الليل والناس نيام ، والانقطاع عن نبش الحياة وضجيجها ، والاتصال بالله والأنس به والخلوة إليه ، وترتيل القرآن والكون ساكن ، إن هذا كله هو الزاد ، لاحتمال القول الثقيل ، والدعوة المجهدة ، وتحقيق الهدف المنشود ، ناشئة الليل أجهد للبدن وأثبت للخير إنها خلوةٌ لا بد منها لصاحب الهم والمسؤولية ، صاحب الرسالة .. أما من ألهته السفاسف ، ورضي بالدون فليس مخاطباً بهذا ..
إن مغالبة هاتف النوم وجاذبية الفراش بعد كدِّ النهار ، أجهد للبدن ، لكنها إعلانٌ واضح لسيطرة الروح واستجابةٌ لدعوة الله وإيثار الأنس به ، لذا فهي أقوم قيلا لأن للذكر فيها حلاوة ، وللصلاة فيها طلاوة ، وللمناجاة فيها لذة ، تُكسب القلب راحةً وشفافيةً ونوراً .
عباد الله ألسنا بحاجة إلى كل ذلك ؟ ألسنا بحاجةٍ إلى هذه الصفة من صفات عباد الرحمن ﴿ والذين يبيتون لربهم سجداً وقياماً ﴾ [ الفرقان : 64 ] .
إنها الصفة الثالثة من صفات عباد الرحمن ينعتهم ربهم بشغل الليالي بالذكر والعبادة ؛ فيقول عنهم : ﴿ والذين يبيتون ﴾ وما قال : يصلون بالليل ؛ لأن بات تدل على الدخول في الليل واستمرار العمل فيه ، كما تدل ( ظل ) على ذلك ؛ لكن في النهار ، فهم من أول ليلهم في عبادة وحركة ، في حين يسكن الناس ويميلون إلى الدعة والراحة ، أو يغطون في نومٍ عميقٍ وهم في ذلك لا يملون بل هم دائبون عاملون ، مهما تطاول الزمن كما يدل على ذلك المضارع ﴿ يبيتون ﴾ من التجدد والتكرار ..

وهذا الكد وتلك الحركة هي لله وحده ، لذا قدم سبحانه قوله جلت قدرته : ﴿ لربهم ﴾ أي : له وحده ، وذكر ربوبيته هنا استحضارٌ لنعمته عليهم ، ورأفته بهم ، وحبه لهم ، وإنعامه عليهم ، فمن شكره أن يعبدوه ، وأن يستغرقوا الأعمار في طاعته ، ولقد شرفهم الله ورفع مكانتهم ؛ يوم أضافهم إليه سبحانه فقال : ﴿ لربهم ﴾ .
﴿ سجداً وقياماً ﴾ : ما قال يصلون مع أن هذا هو المراد ؛ لأن إظهار الحركة هنا مقصودٌ : سجودٌ وقيامٌ ، حركةٌ دائبة ، وعملٌ مستمر ، لذا ذكر من أعمال الصلاة ما يُشعِر بكمال هذه الحركة ، وقدم - سبحانه - السجود على القيام ، مع أن القيام في الصلاة قبل السجود لمناسبة الموقف ، فهم خاضعون لربهم ، يرجون رحمته ويخافون عذابه ..
هم في موقف الاتصال بالخالق العظيم ، ومعلوم أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد كما أن أبرز مظاهر الخضوع هو السجود ، إنه التعبير المادي لكمال الخضوع لله - سبحانه وتعالى - لذا قُدم على القيام ، والقيام هو عنوان القوة والقدرة ؛ فهم ينحطون إلى الأرض ليرفعوا جباههم إلى السماء ، ويعفرون جباههم لتكون في جِبلة جبينهم شامة يوم يلقون ربهم .

عجباً والله لهذه الفئة التي تنشغل عن النوم المريح ، والفراش الوفير ، بما هو ألذ وأمتع ؛ فإذا كان الناس يتطلعون في الليل إلى الفرُش ، فهؤلاء يتسامون إلى العرش ، وإذا كان الناس ينعمون بالأنغام والأوتار ، فهؤلاء يتلذذون بساعات الأسحار : ﴿ كانوا قليلاً ما يهجعون * وبالأسحار هم يستغفرون ﴾ [ الذاريات : 17- 18 ] .
فلله درهم .. ما أحسن شأنهم في هذا المجال ! وما أجمل خبرهم في هذا المضمار ! يشتاقون إلى العبادة كما يشتاق غيرهم إلى الدعة والراحة ..
ومن عجبٍ إني أحن إليهم=وأسأل شـوقاً عنهـمُ وهُمُ مـعي
وتبكيهُمُ عيني وهم في سوادها=ويشكو النوى قلبي وهم بين أضلعي
هكذا تُقضى الليالي ، لا كما نرى اليوم ، تضيع دقائق الليالي الغالية ، بين غرفٍ ووتر ، وألحانٍ وصور ، وعيون متسمرةٌ أمام الشاشات ، مشغولة بتقليب القنوات ، لا يزداد القلب معها إلا قسوةً وبعداً ، ولا ينال صاحبها غالباً إلا حرماناً وبؤساً ..
ما هكذا والله تُغذى القلوب ، ولا تُروح النفوس ، يا قومنا ؛ ألا نشعر بالخجل من حالنا ؟! وعباد الرحمن يبيتون لربهم سجداً وقياماً ، وبعضنا يبيت عاصياً لربه ، مضيعاً لوقته ، كئيب الوجه ، أسود القلب ، قليل الخشية !
يا مؤمن ؛ مهما كان عملك ، ومهما كثرت أشغالك فلست أعظم شغلاًً ، ولا أكبر حملاً ، وإلا أخطر مسؤولية من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يقوم الليل حتى تنتفخ قدماه ، فيقال له : أتكلف نفسك هذا وقد غفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، قال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " [ رواه البخاري ومسلم ] .

أخي الكريم: إن رغبت في هذا الشرف فعليك بالآتي :
أولاً : تقليل الطعام والخلطة .
ثانياً : حفظ النظر عن المحرمات .
ثالثاً : الصبر والمجاهدة .
رابعاً : النوم مبكراً .
خامساً : استشعار فضل القيام ، فإنه من أسباب الأنس ومحبه الله للإنسان ، والرفعة في الدنيا والآخرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : " ثلاثةٌ يحبهم الله ، ويضحك إليهم ويستبشر بهم : الذي إذا انكشفت فئةٌ قاتل وراءها بنفسه لله - عز وجل - فإما أن يُقتل وإما أن ينصره الله ويكفيه ، فيقول : انظروا إلى عبدي هذا كيف صبر لي بنفسه ، والذي له امرأةٌ حسنة وفراشٌ لينٌ حسن ، فيقوم من الليل يذر شهوته ويذكرني ولو شاء رقد ، والذي كان في سفر وكان معه ركب فسهروا ثم هجعوا ، فقام من السحر في ضراءٍ وسراءٍ " [ رواه الطبراني في الكبير بإسناد حسن وقال الهثيمي : رجاله ثقات ، صحيح الترغيب والترهيب (625) ] .

هاهم أولاء عباد الرحمن يشتاقون إلى الجنان ، بصيام الهواجر ، وقيام الليالي مستحضرين قول المصطفى صلى الله عليه وسلم : " في الجنة غرفةٌ يُرى ظاهرها من باطنها ، وباطنها من ظاهرها " قال أبو مالك الأشعري : لمن هي يا رسول الله ؟ قال : " لمن أطاب الكلام وأطعم الطعام ، وبات قائماً بالليل والناس نيام " [ صححه الألباني في الترغيب والترهيب (613) ] .
ومع تلك الأعمال العظيمة ليلهم ونهارهم ، فهم على وجلٍ وخوفٍ ، إنهم رغم صبرهم على الجاهلين ، ولينهم مع المؤمنين ، وقيامهم في الليالي إلا إنهم يخافون النار ، يخافون العذاب .
عباد الرحمن يدعون ربهم فيقولون ﴿ ربَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّم ﴾ وكأن جهنم معترضةً لهم تنتظرهم ، وتستعد للقاء بهم كما يلقى العدو عدوه ، يقولون : ﴿ َربَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ﴾ ؛ ولم يقُل اصرفنا عن عذاب جهنم ..
إنه الاستشعارُ العظيم لهول النار وشدة جحيمها ﴿ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَاماً ﴾ أي : شراً دائماً لازماً عياذاً بالله ، ﴿ إنها ساءت مستقراً ﴾ : مكاناً لا يرضونه أبداً ، وساءت أيضاً ﴿ مقاماً ﴾ ممن يمر عليها ..
إنها موسومة بالسوء على كل حال ، هكذا ينظر لها عباد الرحمن !! فكيف ينظر لها آكلوا الربا ؟! والمغتابون وقاطعوا الرحم ؟! والداعون إلى الرذيلة .. كيف ؟! ألا يخافون لهيبها ؟ ألا يخشون عذابها ؟ أين اليقين بكلام رب العالمين ؟ أين الإيمان الحق ليحرك القلوب حتى تراقب الله في كل لمحةٍ وحركةٍ ؟!


د. عويض بن حمود العطوي
جامعة تبوك
dr.ahha1@gmail.com

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 657



خدمات المحتوى


تقييم
1.00/10 (3 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس