تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
01-08-1433 08:13 PM



التواضع وعفة اللسان



ما أجمل أن يعيش المؤمن لحظات مع آي القرآن ، يعرض عليها نفسه وعمله ، ما أروع أن يلجأ المؤمن إلى هذا النمير الصافي والري الكافي ؛ القرآن ، يستروح من نسيم الجِنان ، ويصلح فساد الجَنان ، ويشغل فكره بما هو نافع ، ويقطف من ثماره كل يانع .
إن بين أيدينا موردٌ لا ينضب ، وعطاءٌ متواصل لا يتوقف ، فأين نحن عنه في زمن خف فيه ميزان القيم ، وفترت فيه الهمم ، وأطلَّت المادة برأسها ، وضربت الأثَرَة بفأسها ، في مثل هذا الزمن يحتاج المؤمن إلى عودة صادقة لمصادر القيم ، وقسرٍِ للنفس على مكارم الأخلاق ولكنه أحياناً يبحث عن مكان وجودها ، ومصدر ورودها .
وها نحن نقف مع سورة الفرقان ، لنعيش بعض توجيهات الفرقان . كما قال سبحانه في مطلعها : ﴿ تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا ﴾ [ الفرقان : 1 ] ؛ هذه السورة التي تحدثت عن الخالق العظيم سبحانه ، وعن كتابه الكريم ، وعن رسوله النبي الأمي محمد بن عبد الله - عليه وعلى آله أفضل صلاةٍ وأتم تسليم، وتحدثت عن الموعدين ممن آمن أو كفر ، ثم ختم الله هذه السورة بالنموذج الذي ينبغي أن يُحتذى ، وبطريقه يُهتدى ، إنهم عباد الرحمن ..

إنهم القدوة التي يبحث عنها أهل القيم ، إنهم النموذج الذي أثنى الله عليه ونعت لنا صفاته ، وحدد سمات عباد الرحمن ؛ فلهم خلالٌ يتميزون بها ، وخصالٌ يوفون بها .. فأين الباحثون عن القيم ؟ أين المتشوقون لمكارم الأخلاق ؟ أين المتلهفون لأسمى الفضائل ؟
دونكم أيها الكرام هذه الصفات ؛ اقرؤوها و تأملوها ثم تمثلوها ، فوالله ما قصَّها الله علينا عبثاً ، ولا عددها إلا لنعمل بها ونقف عندها ، قال تعالى : ﴿ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هوناً وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ الآيات ..
- أيها القارئ الكريم ..
سنقف مع هذه الصفات واحدة تلو الأخرى - بإذن الله تعالى - ، لعلنا أن نفهم مراد الله منها ، ثم نعرض أخلاقنا عليها ، ونوازن أين موقعنا من هذه القيم ، ونتساءل ألسنا مخاطبين بها ؟ ألسنا معنيين بها ؟
﴿ وعباد الرحمن ﴾ : من هذا المقطع يبدأ الموضوع المتعلق بالمدعوين من المؤمنين الذين استجابوا لدعوة الرسل ؛ والمقصود هنا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ﴿ عباد الرحمن ﴾ هكذا عرّفهم الله ، وهكذا قدمهم للعالمين .
وربما يتساءل الإنسان ، لماذا أضافهم الله سبحانه إلى اسمه الرحمن دون لفظ الجلالة [ الله ] ، فلم يقل ( وعباد الله ) ؟!
- إن المتأمل لسياق هذه الآيات من خلال سورة الفرقان ؛ يجد أن هذا المقطع الذي يجمع صفات عباد الرحمن يبرز هذه الفئة على أنها خلاصة البشرية التي دُعيت وأنار الله طريقها ، وعرفت سبيلها ..
إنهم ثمرةٌ لجهادٍ شاقٍ طويلٍ تمثل في دعوة نبينا الكريم محمد بن عبد الله - عليه وعلى آله أفضل صلاة وأتم تسليم - ، فكانت هذه المجموعة المتميزة بهذه الصفات بمثابة العزاء المرئي لحملة الهدي ، ورجال الدعوة ، إنهم الفئة التي رحمها الله فأنار قلوبها وسدد مسارها ، كما أن هذه السورة [ الفرقان ] نصت على استنكار المشركين لاسم الرحمن وتظاهرهم بتجاهله ، كما قال سبحانه ﴿ وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن أنسجد لما تأمرنا وزادهم نفوراً ﴾ [ الفرقان : 60 ] .
فإذا كان المشركون يستنكرون هذا الاسم الشريف الرحمن فالمؤمنون أحق بالانتساب إليه ، وهم أهلٌ لأن يكونوا عباده ، فشرفهم ربهم بتلك الإضافة التي أعلنت مكانتهم ، ورفعت مقدارهم ، إنهم الفئة التي يعبأ الله بها ، لأنهم يدعونه ويوفونه ويعبدونه ، قال تعالى : ﴿ قل ما يعبأ بكم ربي لو دعاؤكم ﴾ [ الفرقان : 77 ].
أيها الحبيب : إنها اثنتا عشرة خصلة وصف الله بها عبادة المؤمنين ؛ شملت حياتهم ونوع علاقتهم ، ورسمت لنا سماتهم الظاهرة و الباطنة ، وأوضحت لنا أحوالهم مع الخلق وعلاقتهم بربهم ، إنها سمات رائعة شاملة تُعد أسساً نقيس بها المؤمن ؛ أخلاقه وإيمانه .

﴿ وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ [ الفرقان :63 ] : هاتان صفتان بينهما تلازم وعلاقة ، فالأولى : في حركة الرِجلْ ، والأخرى : في حركة اللسان ، ومعلوم أن العثرة عثرتان : عثرة الرجل وعثرة اللسان ، لذا جاءت إحداهما قرينةً للأخرى فعثرة اللسان توضح خللاً في كلام الإنسان وبيانه ، وغالب الحكم على الإنسان من هيئة جسده ، ومن منثور منطقه ..
يقول ابن القيم رحمه الله : [ وتأمل كيف جمعت الآية وصفهم في حركتي الأرجل والألسن بأحسنها وألطفها وأحكمها وأوقرها ، فقال تعالى : ﴿ الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ﴾ أي : سكينة ووقار ، ونطقهم نطق حِلم ووقار فلهذا جمع بين المشي والنطق في الآية ] أ.هـ ( البدائع : 2/158-159 ) .
أيها الفاضل : إن ديننا العظيم نظم كل جوانب حياتنا ، حتى هيئة المشية التي ينبغي أن يكون عليها المؤمن لها سماتٌ لابد من التنبه لها ، لأننا في عصر تخلى فيه الشباب - خصوصاً - عن كثيرٍ من هذه السمات في اللباس والهيئة والمشية والكلام ، حتى أصبحوا مسخاً لا يمثلون دينهم ولا قيمهم ولا مجتمعهم ، ولو أن الناس أخذوا هذه القيم لرأينا أمراً آخراً .
يا أيها المؤمن بربه ؛ تأمل في مشية بعض الناس كيف يشمخ فيها بأنفه ، وآخر يمشي يصعر فيها خده ، وآخر يمشي متماوتاً مترهلاً متأنثاً !
عباد الرحمن يمشون على الأرض هوناً مشية فيها توسط واعتدال ، بين السعي الشديد والتبختر والكبر ، وبين التهاون والضعف ، المؤمن إذا مشى على أرض الله لحاجته فهو لا يجهد ولا يركض لهذه الدنيا ؛ كما يفعل بعض المفتونين بالمال يلهثون ليلهم مع نهارهم فإذا جاء زرع الآخرة فهم الكسالى النائمون مع أن السعي والجهد مطلوب بالأعمال الأخرى ؛ يقول تعالى : ﴿ وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنة ﴾ [ آل عمران : 133 ] .

أما السمة الثانية فهي : عفة اللسان عن فاحش القول قال تعالى : ﴿ وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ ، عباد الله ، إذا كان بعضنا قد سلم من صفة الكبر وضرب الأرض أشراً وبطراً ؛ فلربما يكون ضعيف القياد للسانه ، لأن قيادة الجسد أهون من قيادة اللسان ، لكن هذا هو سبيل عباد الرحمن لا يلقون الكلام عن عواهنه ، حتى في مواطن المجادلة والمخاصمة والمخاطبة مع الذين لا يقدرون الأمور ، مع الجاهلين الذين لا يردعهم رادعٌ عن إطلاق السباب والشتائم على من يخاطبون .
معاشر المؤمنين ، ما هو شأننا لو تحدث معنا جاهل طائش ؟ وتطاول في الكلام وتعدى حدوده ؟ أنرد عليه بالمثل معتذرين لأنفسنا بألوان الأعذار أم نعمل بمقتضى صفات عباد الرحمن ؟!!
يقول الحق – تبارك وتعالى - : ﴿ إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً ﴾ ، أي : كلاماً سالماً من الفحش والإيذاء ، إذاً لا مانع من الرد لكن بما لا خدش فيه ولا إيذاء ولا فُحش ؛ إنه الحلم .. إنه العقل : أن يملك الإنسان زمام لسانه ، وهذا المنهج الرباني العالي يناقض تماماً ذلك المنهج الجاهلي البغيض الذي يؤجج العداوة ويذكي نارها ؛ كما قال شاعرهم :
ألا لا يجهلن أحد علينا *** فنجهل فوق جهل الجاهلينا

يا للروعة في تعاليم هذا الدين العظيم ! فأين نحن من هذا يوم نتجادل ونتخاصم ؟! لمَ لا نتخلق بهذه الأخلاق العالية ؟! التي تجعل السلم دوماً في مقام القمة ، فالمؤمن الحق لا تستثيره كلمات الجاهلين ، ولا ينشغل بفقاعاتهم ولا بحماقاتهم ، إنه يسمو عن ذلك كله ..
ولا يعني قوله تعالى : ﴿ سلاماً ﴾ ؛ أن يُسلم عليهم إذا جهلوا عليه فذلك فيه خنوع وخضوع ولو كان كذلك تعالى سبحانه قالوا [ سلامٌ ] بالرفع ، لأنه ليس في السلام على الجاهل بذيء الكلام لحظة المخاطبة مدحٌ ولا ثناءٌ ، وإنما الثناء أن يقابل السوء بالقول الحسن ، ولهذا فقد انتصر ابن القيم - رحمه الله - لهذا القول .
يالله ما أعظم الخلق ! إنه تجسيدٌ كاملٌ لهذا الخلق الذي تدعو إليه الآية الكريمة ، ما أحوجنا إلى التخلق به ، والسعي إلى تحقيقه .

د. عويض بن حمود العطوي
جامعة تبوك
dr.ahha1@gmail.com

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 633



خدمات المحتوى


تقييم
1.00/10 (3 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس