جديد الفيديو
المتواجدون الآن
| 01-06-1433 09:04 PM
الامتحانات وكأس العالم*
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فغداً يتوجّه ملايين الطلاب لقاعات الامتحانات، لقياس بعض حصاد العام، ومع هذا الإقبال، وذلك الحشد؛ ينشدُّ كثير من طلابنا إلى حدث آخر صاحَبَ هذه الفترة الحرجة، ألا وهو فعاليات كأس العالم، ومهما تغاضينا عن الموضوع؛ وتناسينا أثره، فإنّ كثيراً من طلابنا قد أثّر فيهم ذلك وسيؤثر، وهو حدث يتكرر كل أربع سنوات.
ومن خلال الاستطلاعات الكثيرة في وسائل الإعلام حول هذا الموضوع، نجد أنّ مواقف الطلاب متباينة، فهناك من يقول: لن يشغلني شيء عن اختباراتي ومذاكرتي، وهناك من يقول: سأحاول الجمع والتنسيق، وهناك من يقول: سأتباع المباريات ولو اضطرني ذلك إلى الغياب أو الرسوب، ذلك أن هذا الحدث لن يتكرر إلا بعد أربع سنوات، وأما الاختبارات فيمكن تعويضها.
معاشر الآباء، معاشر الشباب، هذا بعض ما سجلته وسائل الإعلام من خلال استطلاعات لآراء الطلاب حول هذا الحدث، وهذا التباين في التعامل يبين لنا قدر التفاوت في التفكير والتدبير والتعايش مع أي حدث عند طلابنا، إن الصنف الأخير الذي يمكن أن يتنازل عن دراسته موجود مشاهد، فقد عايشنا بعض الطلاب يتغيبون عن اختبارات نهائية لأجل مباراة، وهذا التصرف يدعونا لمراجعة حقيقة لطريقة التربية، وقدرتنا على غرس القيم والمبادئ في نفوس أبنائنا، لأنهم إذا كانوا لا يصبرون على فوات مباراة، فما حالهم مع العبادة المتكررة مرات عدة في اليوم (الصلاة)، هل سيشعرون بها، فضلاً عن المحافظة عليها وأدائها في وقتها، الذي هو من أحب الأعمال إلى الله، سُئل النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في صحيح البخاري: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: "الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا"، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ"، قَالَ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: "الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي.
معاشر الكرام، نحن ندرك كم يعاني الآباء من صعوبة في إقناع أبنائهم بالاهتمام بالمذاكرة، وعدم الانشغال بهذا الحدث، خصوصاً أنّ اليوم الواحد يشتمل على ثلاث مباريات، تمتد من الظهر حتى منتصف الليل -كما يذكرون- فماذا بقيَ للمذاكرة والراحة والنوم والاختبار؟! إنها معادلة صعبة ولا شك، ولا يحسن التهاون بها أو تناسيها، لأنها مؤثرة في مستقبل أولادنا.
معاشر الآباء، معاشر الأبناء، ينبغي أن نكون على قدر كبير من الوعي، وأن نقْدُرَ الأمور قدْرها، وأن يكون لدى طلابنا من الإدراك ما يجعلهم يفرقون بين الهواية والمهمة، بين المتعة الآنية والحقيقة المستقبلية، بين الظلّ الزائل والهدف السامي، وهنا يبرز أثر التربية سواء في البيوت أم في المؤسسات التربوية، التي يظهر أثرها في مثل هذا الأحداث والاختبارات، وليس صحيحاً أن يبقى أولادنا في حضانة دائمة، يعجزون معها عن إدارة ذواتهم، أو التحكم في غرائزهم، إذا وقعوا تحت وطأة مثل هذا الاختبار.
معاشر الكرام، نحن لا نملك تغيير أحداث العالم، لذا ينبغي ألا ننشغل بلوم لا طائل تحته ولا تأثير له، وإنْ كنا لا نملك تغيير أحداث العالم، فإننا نستطيع أن نغيّر تفكيرنا وقناعاتِنا، ونستطيع أن نربيَ الجديّة في أولادنا، ونبيّن لهم ما ينفعهم وما يضرّهم، وأن نبنيَ في نفوسهم المسؤولية والثقة، حتى يتحملوا قراراتِهم، ويديروا ذواتِهم.
انظروا معاشر الآباء الكرام إلى حالكم مع وسائل الإعلام خلال اليوم والليلة والشهر والسنة، هل يوجد توجيه وتربية، هل يوجد في البيت نظام للمشاهدة: ساعات محددة، برامج منتقاة، أم أن الأمر مفتوح على مصراعيه، يتربى من خلاله الناشئة على إدمان هذه الشاشات، مهما كان محتواها، فإذا جاء مثلُ حدث الاختبارات وأراد الأب أن يحدد الساعات وأن يمنع من المشاهدة أخفق في ذلك، بسبب التعوّد المحموم على إدمان المشاهدة، لهذا يوصي المختصون بضرورة تنظيم المشاهدة منذ الطفولة، حتى يتربى الأطفال على ذلك، بل ويرى الخبراء ضرورة مراقبة عادات مشاهدة التلفزيون لدى الأطفال، ومتابعة المحتوى الذي يشاهدونه, ويعتقد بعضهم أنه من الأفضل أن يقوم الأهل بمشاهدة التلفزيون مع أبنائهم قدر المستطاع، وشرحُ الأشياء التي يشاهدوها لهم.
وهذا الحدث الذي يعيشه طلابنا بل وكثير من الأسر يكشف عن الخلل في هذا المجال، فحتى الأب لا يملك نفسه ولا يسيطر عليها أمام مغريات الشاشة الفضية، لأنه لم يعوّد نفسه أن يتحكم فيما يشاهد ولا في ساعات المشاهدة، فهل سيربي أولاده على غير هذا!
معاشر الآباء، معاشر الأبناء، إنّ من المخاطر التي يتعرض لها طلابنا بسبب هذا الحدث زيادة على إخفاقهم في الدراسة، وتدني معدلاتهم، ما يجدونه في أماكن التجمّع لمشاهدة المباريات بسبب تشفير القنوات الخاصة بنقل هذه الأحداث، ومِن هذه الأماكن المقاهي، التي تختلط فيها أجناس كثيرة، يغلب عليها الانحراف والضياع، وفي مثل هذه البيئات ينشط المخربون، وتجار الهلوسة والمخدرات، لذا فمن الواجب على أبنائنا الكرام أن يكونوا على وعيٍ تام بخطورة هذه التجمعات ولو على المدى البعيد.
معاشر الشباب، معاشر الآباء، إذا كانت المباريات تبدأ من الظهر وتستمر حتى منتصف الليل كما فماذا بقي من الوقت للبيت والمذاكرة والدراسة؟ هل يعقل أن يستسلم الشباب لهذه المغريات، مضيعين جهد عامٍ كامل ؟! هل يعقل أن نكون بهذا الضعف أمام نزوات نفوسنا، معاشر الشباب، الحياة ليست كلها كرة وتشجيع، اسألوا أنفسكم عن الأماني العالية، والأهداف السامية، والغايات العظيمة أين هي، وكم تشغل من خارطة عقولكم واهتماماتكم؟ وتذكروا: على قدر الهمة يكون صعود القمة .
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
فرق كبير بين المتعة والهدف، وهذه المباريات ظل زائل، وحدث حادث، لكن العلم والتعليم تأثير بعيد، وهدف نبيل، به ترتقي الأمم والأفراد، فأين أنتم من ذلك، إنّ من سفْهِ العقل وقلة التدبير، إذهاب باقٍ بزائل، ليكن خياركم دليل تفكيركم، وقد قيل: اختيار الرجل قطعة من عقله.
اهتموا باختباراتكم، أوْلوها العناية المطلوبة، أظهروا حاجتكم لربكم، والجأوا إلى خالقكم، وأكثِروا من الدعاء، وابذلوا وسعكم، وتوكلوا على الله، فذلكم خير لكم من تضييع الأوقات، وذهاب الساعات فيما لا طائل تحته.
اثبتوا لأنفسكم أنكم قادرون على التحكم بها، وأنّ لكم عقولاً وتدبيراً، تميزون بها الصالح من الطالح، والنافع من الضار، والله يرعاكم ويسدد خطاكم.
اللهم أقر عيوننا بصلاح أولادنا، واهدنا وإياهم سبل السلام، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
_______________________________________
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فلن يقف تأثير هذا الحدث على المستوى الدراسي للطلاب، بل سيمتد إلى الأفراد والأسر، فقد أظهرت بعض الدراسات أن متابعة مباريات كأس العالم في سنوات مضت قد أسهمت في بعض البلدان في زيادة أزمات القلب ثلاثة أضعاف عما هو معهود.
ليس هذا فقط بل طال تأثير كأس العالم الأسرة وأثّر في بنائها، فقد أجريت دراسة في إحدى دول الخليج، حول تأثير كأس العالم في ارتفاع معدلات الطلاق، فتوصلت الدراسة إلى تزايد المشاجرات الزوجية في هذه الفترة بنسبة وصلت إلى سبعة وأربعين بالمائة، فالزوج يتجاهل الزوجة تماماً، ويؤجل كل الموضوعات الخاصة بالبيت إلى ما بعد انتهاء المباريات التي قد تمتد شهراً كاملاً، ويكرس كل وقته لمشاهدة المباريات، ومتابعة التعليقات المختلفة عليها، وما يصاحب ذلك من تغير الحالة المزاجية له، وبعضهم يفضل مشاهدة المباريات خارج المنزل، ويعودون في وقت متأخر من الليل، ومعلوم ما يترتب على هذا الغياب الجسدي والعاطفي من كوارث.
بل وحتى أرباب العمل يشتكون من تأثير هذا الحدث على موظفيهم، ومن مظاهر ذلك: التأخر، وكثرة طلبات الإجازات المرضية، وقلة الإنتاج.
معاشر الكرام، إن كل هذا يدعونا إلى مزيد من التعقل والتفكير، وأن لا يكون الإنسان تبعاً لهواه، بل على العكس هو الذي يتحكم في هواه، والمسلم يختلف عن غيره في نظرته للحياة، فهي عنده مزرعة للآخرة له فيها هدف محدد، يضبط من خلاله كلّ تصرفاته، أما من لا يؤمن ببعث ولا حساب فالهدف هو المتعة لا غير، وصدق الله القائل: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ [محمد : 12 ، 13].
تأملوا (يتمتعون، ويأكلون)، وكل ما يعملونه ويقدمونه لا يخرج عن هذين العنصرين، حتى الاختراعات والتصنيع، لأنها للراحة ومزيدٍ من الرفاهية، لذا لا غرابة أن يكونوا بمثل هذا الجنون في التعامل مع هذا الحدث، لأنه صورة من الترفيه واللذة.
اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، والباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله، صلوا وسلموا على محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك الله، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
_________________________
* ألقيت هذه الخطبة في جامع البازعي بتبوك، في 6/7/1431هـ، قبيل اليوم الأول للاختبارات النهائية، والذي تزامن مع فعاليات كأس العالم 2010م.
|
خدمات المحتوى
| تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0 Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.
الرئيسية
|الصور
|المقالات
|الأخبار
|الفيديو
|الصوتيات
|راسلنا | للأعلى
لتصفح أفضل:
استخدم موزيلا فايرفوكس
|
|