جديد الفيديو
المتواجدون الآن
| 01-06-1433 09:00 PM
ويُنَزِّل الغيث*
الخطبة الأولى:
أما بعد:
فقد عشنا قبل أيام آية من آيات الله، ونعمة من نعمه سبحانه، إنها إنزال الغيث، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [الروم: 24]، إنها إشارة إلى تحريك العقل، والنظر والتدبّر، كما أنها بشرى وسرور، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الروم: 46]، إنها بشرى تُسرُّ بها القلوب، وتطرب لها النفوس، وقد رأينا ذلك في الإنسان والطير والحيوان، وما ذاك إلا لما في هذا الغيث من رحمة الله وعطائه، لذا قال سبحانه: ﴿وَلِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ﴾.
بهذا الماء تهتز الأرض، وتُخرِج خيراتِها بإذن الله: ﴿وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: 5]، إنها آية وعبرة وعظة، لمن تفكّر وتدبَّر، فاعتبروا يا أولي الألباب، انظروا في ملكوت الله، تأملوا في خَلْقه، وقولوا سبحانه الله، فذلك مما يزيد الإيمان، ويعظِّم في القلب شأنَ الرحمن، ويثبت القدم على الصراط المستقيم، أما قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ [الحج: 63].
بهذا الماء وما أودع الله فيه من الأسرار لَفَتَ الله أنظار وقلوب المكذبين؛ لقدرته -سبحانه- على الإحياء بعد الموات، لعلهم أن يتعظوا ويتنبّهوا، فقال جلّت قدرته: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَسُوقُ الْمَاءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنْفُسُهُمْ أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾ [السجدة: 27].
بهذه الآية العجيبة (الماء) حاجج موسى فرعونَ فقال معرّفاً بربه بما لا يقدر عليه إلا هو سبحانه: ﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى * كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ [طه: 53، 54].
ولو تأملنا هذا الماء النازل من السماء، لوجدنا فيه مخاطبة للعقل، ومجالاً للتأمل والتدبر، ومساحةً للسمع والتبصر، لهذا تعددت الآيات في هذا المجال، وتنوعت الحواس المذكورة فيها، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ﴾ [النحل: 65]، وقال عن إنزاله في آياتٍ متعددة: ﴿لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾ [البقرة: 164]، ﴿لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [النحل: 11]، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِأُولِي النُّهَى﴾ [طه: 54]، ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [الزمر: 21]، ﴿أَفَلَا يُبْصِرُونَ﴾ [السجدة: 27].
كل هذا الحشد من لفت الأنظار وتوجيه الأبصار لهذه الآية يُبيّن عظمتها، وظهورها وضرورة النظر فيها والاعتبار بها، فهل نحن قد استعملنا هذه الحواس كما أمرنا الله ونحن نعيش هذه النعمة، هل تدبرنا في أمرنا وشأننا؟ أما قال سبحانه: ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمْ آيَاتِهِ وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ رِزْقًا وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَنْ يُنِيبُ﴾ [غافر: 13]، فهل أنبنا، وإلى ربنا عدنا؟
في هذا الغيث آية دالّة على القدرة والعظمة، آية تدل على أنّ خالق الكون واحد، وأنه المتصرف بشؤونه، قال تعالى: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت: 63]، وقل جلت قدرته:﴿أَمَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ * أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلَالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ وَجَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حَاجِزًا أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [النمل: 60 ، 61].
تأملوا -يا عباد الله- في عظمة هذا الماء، الدال على عظمة خالقه، واقرأوا بقلوبكم: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ * هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [لقمان: 10 ، 11]، وإذا كان هذا الماء العجيب يبيّن قدرة الخالق؛ فإنه في الوقت ذاته يكشف ضعف المخلوق، وحاجتَه إلى ربّه.
ولعل أحوج ما يحتاج إليه الإنسان هو الماء، ومع هذا هو عاجز عن خزنه كما يريد، قال تعالى: ﴿وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ﴾ [الحجر: 22]، ولو أراد الله تعالى إذهابه؛ لمات الناس عطشاً، قال جلّت قدرته: ﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ [المؤمنون: 18]، وقد جعله الله فراتاً، سائغاً للشرب، ولو شاء سبحانه لجعله أجاجاً، فهلاّ شكرنا خالقنا؟ ﴿أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ * لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجًا فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ﴾ [الواقعة: 68- 70]، ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا فَمَنْ يَأْتِيكُمْ بِمَاءٍ مَعِينٍ﴾ [الملك: 30].
معاشر الكرام، وهذه صورة أخرى من صور المهابة والعظمة تتمثل في تلك السحب المتراكمة، التي غطّت السماء، وفي ذلك البرق الذي كاد يخطف الأبصار، وفي صوت الرعد الذي يرعب القلوب، ويزلزل الكيان، وصَدَق الله: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ﴾ [النور: 43].
لعلكم رأيتم -أيها الكرام- ذلك السحاب الذي كسا السماء حتى حجب الشمس، إنها جبال من ماء، لو أراد الله لأهلك به الخلق، يالله ما أعظم ذلك السحاب، وما أثقله، يسوقه الله بقدرته فوق رؤوسنا ونحن غافلون ﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ * وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ﴾ [الرعد: 12 ، 13].
ومن رحمته سبحانه أن جعل ذلك لنا بشرى وحياة فقال جلت قدرته:﴿اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ * فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الروم: 48- 50]،
بهذا ندرك كيف أنّ هذا المطر حياة للأرض والشجر، كما هو حياة للعقول والفِكر، إنه سرّ الحياة، فما أحوج الخلق إلى خالقهم، وما أشد فقرهم إليه، فما بالهم إليه لا يرجعون، ولقدره لا يَقْدُرون؟!
اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، كما أغثت بلادنا بالأمطار، اللهم ردنا إليك رداً جميلاً، برحمتك يا أرحم الراحمين.
عباد الله، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
_______________________________________
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فهذا الماء النازل من السماء؛ يصرّفه الله كيف يشاء، فيجعله -سبحانه- لبعض الخلق رحمةً وبشرى، ويكون لبعضهم عبرةً وعظة، ويكون لآخرين عذاباً وغرقاً، فلندرك -أيها الكرام- أنّ الماء جندي من جنود الله، دمّر الله به عروش الجبابرة الظَّلَمَة، وأهلك به الطغاة المرَدَة، فبالماء غرق فرعون، وبه أهلك الله أهل سبأ ﴿لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ * فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ * ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ﴾ [سبأ: 15 - 17]، وبه نصر الله به نوح عليه السلام، لما كفر به قومه وازداد طغيانهم ﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ [القمر: 10 - 12]، وبيّن الله لنا صورة ذلك الماءِ العظيم، الذي غطّى الأرض، فقال سبحانه: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ * وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ * وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ [هود: 40 - 44].
كشف هذا الماء ضعفَ المخلوق وقدرة الخالق، فالمؤمن لجأ إلى الرب العظيم سبحانه، والكافر لجأ إلى الجبل الكبير، وقال: ﴿سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ﴾ فرد الأب المؤمن ﴿قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ﴾، وفرق بين من يلوذ بمخلوق ومن يلوذ بخالق، لذا كان هذا الماء من أسباب ارتباط العباد بربهم، فنحن مأمورون إذا انحبس عنّا هذا الماء أن ندعوَ ربنا، ونلجأ إليه، ونصليَ ونستسقي، وإذا تضررنا منه أن ندعو بالاستصحاء، ونقول: "اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب، وبطون الأودية ومنابت الشجر" [متفق عليه].
كما يسن أن يعرض الإنسان جلده وبَشَره للمطر، لما في ذلك من البركة، قال أنس: أصابنا ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مطر قال: فحسر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر، فقلنا: يا رسول الله، لم صنعت هذا؟ قال: " لأنه حديث عهد بربه تعالى" ، وقدر ذُكِرَ عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه إذا أمطرت السماء يقول: "يا جارية، أخرجي سَرْجي، أخرجي ثيابي، ويقول: ﴿وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُبَارَكًا﴾ [قال الألباني صحيح الإسناد موقوفاً].
وللدعاء شأن عند نزول المطر، فينبغي ألاّ نهمله، قال صلى الله عليه وسلم: "اطلبوا إجابة الدعاء عند التقاء الجيوش، وإقامة الصلاة، ونزول المطر" [حسّنه الألباني].
اللهم استجب دعاءنا، وتقبّل أعمالنا، وارحمنا برحمتك يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله، صلوا وسلموا على محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك الله، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
__________________________________
* خطبة لفضيلة الشيخ د. عويض العطوي، ألقيت في جامع البازعي بتبوك، في 7/2/1431هـ بعد هطول الأمطار الغزيرة صباح يوم الاثنين 3/2/1431هـ.
|
خدمات المحتوى
| تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0 Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.
الرئيسية
|الصور
|المقالات
|الأخبار
|الفيديو
|الصوتيات
|راسلنا | للأعلى
لتصفح أفضل:
استخدم موزيلا فايرفوكس
|
|