جديد الفيديو
المتواجدون الآن
| 01-05-1433 07:11 PM
لكم الله يا أهل غزة(1)
الخطبة الأولى:
فمِن أين نبدأ؟ وماذا نقول؟ وعن أي شيء نتحدث؟ إنه ليعجز البيان، وينعقد اللسان؛ عن وصف حال إخواننا في غزة، إنّ الصورة أبلغ من التصوير، وإنّ الألم ليعصر الضمير، إنّ العين ما كانت لتصدق أنْ ترى ما رأت، ولا الأذنَ أنْ تسمع ما سمعت، ولا القلبَ أنْ يتحمل ما جرى.
إنّ ما حدث هناك جريمة لا تحتاج أنْ يجمع العالم عليها، ولا أنْ يخرج لها قرار من هيئة الأمم، ولا أنْ تُدعم من أروقة المؤسسات العالمية، إنها جريمة مصوَّرة، موثّقة، بشعة، على مرأى من العالم ومسمع، جريمة لم تقع مصادفة وتنتهي، بل هي مسلسل دموي بشع مستمر، يكشف أكاذيب اليهود، ونقضهم للمواثيق والعهود.
إن هذه المجزرة –يا كرام- وإنْ كان وقودها هم إخواننا في غزة، فإنها لا تختلف عن جرائم اليهود على مدى التاريخ، فهم أعظم من أجرى الدماء، واعتدى على الأبرياء، واستباح دماء الأنبياء، فضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، قال تعالى: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [البقرة: 61]، بشرهم القادر بسبب ذلك بالعذاب، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: 21].
إنهم -بوعد الله- بين ذلة ومسكنة، وعذاب ومهانة، وسنرى موعودَ الله فيهم عاجلاً غير آجل، فمن سار في هذا الطريق لقي ذلك المصير.
معاشر المؤمنين، اليهود لا يحتاجون إلى ذريعة ليريقوا دمًا، أو يستبيحوا عرْضًا، إنّ ذريعتهم معهم حسب ظنهم، إنهم شعب الله المختار كما يزعمون، لذا قتلوا أنبياء الله دون حق، وهل يمكن أنْ يكون قتلُ الأنبياء بحق؛ وهم المرسَلُون من ربِّهم؟ أتدرون كم قتلوا من أنبياء الله؟ روى ابن كثير عن ابن مسعود رضي الله عنه أنهم كانوا يقتلون في اليوم ثلاثمائة نبي، ثم يقيمون سوق بَقْلِهم في آخر النهار، وجمع الكلمة يشير إلى الكثرة ولا شك، فهم لم يقتلوا نبيًا بل أنبياء.
معاشر الكرام، اليهود شعب لا يؤمن بالسلام، لا يؤمن بالعهود، لا يؤمن بالمحبّة، إنه شعب عدواني، يحارب بالربا في أسواق المال، ويحارب بالفحشاء والمنكر في أسواق الملذات، ويحارب بالحديد والنار في أسواق القوة والعتاد.
اليهود شعبٌ لا يستريح إلا بالدماء والنار، ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي اْلأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: 64]، تأمَّل –رعاك الله- إلى كلمة (نارًا)، إنهم يعشقون الحرق والقتل والتدمير، إنهم يوقدون الفتيل، ويأنسون لكثير القتيل.
اليهود قومٌ لا يؤمنون إلاّ بالقوة، ولن يُرْدَعوا إلاّ بها ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: 167]، إنه وعد الله، الذي لا يتخلف، يقول ابن القيم:" ثم حكم عليهم حكمًا مستمرًا في الذراري والأعقاب، على مر السنين والأحقاب، فقال :"وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب"(2).
معاشر الكرام، لقد استحق اليهود كل هذا الوعيد وذلك التهديد، لأنهم حاربوا الله ورسله وعاثوا في الأرض الفساد، إنهم قوم لا يؤمَن لهم جانب، ولا يوثَق لهم بعهد، فعجب لِمَن يُعلَّق على عهودهم الآمال؟ فمنذ أَنْ وعى هذا الجيل وهو يسمع عن محادثات وطاولات، ولكن دون جدوى، سقطت دول وقامت دول؛ وما زال اليهود يعربدون ويظلمون، ويقتلون ويأسرون.
إذا كان ذلك هو شأن اليهود ناقضي المواثيق والعهود، فإن ذلك أيضاً شاهد على أنّ ملة الكفر واحدة، وأنّ يدهم واحدة، وهو أيضاً شاهد على الوجه الكالح من مدعي الحضارات، وناصري الإنسان.
إنّ ما حدث في غزة لهَو جريمة يشهد بها التاريخ على تواطؤ العالم على الظلم، وعلى انتقاص إنسانية الإنسان، وعلى الانحياز والكيل بأكثر من مكيال.
فلو أنّ كلبًا أُسيء إليه، أو عُذِّب أو أُحْرِق في بلاد الحضارة المزعومة؛ لقامت الدنيا ولم تقعد، أمّا شعبٌ يباد، وأمَّةٌ تُستباح؛ فهذا أمرٌ قابل للأخذ والرد، والمداولة والنقاش.
قَتْلُ امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتَفَر *** وقَتْلُ شعبٍ آمنٍ مسألةٌ فيها نظر
يا قومنا، لا يدري القلب بم يشتغل، ولا عمّ يشتغل، لقد حارت العقول، وذُهِلت النفوس من هول ما رأت وسمعت، فما أنْ تروعك صور الجثث المُلقاة على الأرض بالعشرات، حتى يهزك حال الجرحى وهم في لحظات الموت الأخيرة يستغيثون برب الأرض والسموات، فمِنْ رافع أصبعه يتشهد، ومِنْ جريح في دمائه يتشحط، وآخر يلتقط أنفاسه يتنهد، وما إن يذهب طيف القتلى؛ حتى تهولك صور المساجد وهي تتهاوى، وأشلاء الأطفال وهي تتمزَّق.
أين إنسانية الإنسان التي عنها يتحدثون؟ وبها في المحافل يتشدقون؟ أين معاهداتهم ووعودهم؟ لماذا تقصف المساجد والمستشفيات، ما الذي بقي له حرمة عندهم؟ أين دعاة السلام، أين اجتماعاتهم أين قراراتهم، إنهم لمْ يجرؤوا حتى على إنكار هذه المذبحة؛ بل برَّرُوها، فمَنْ بعد هذا يكون مُصَدِّرًا للإرهاب والخوف؟ مَنْ بعد هذا يكون سببًا في نشر الظلم والعداوة؟ مَنْ بعد هذا يستحق العقوبات العسكرية والاقتصادية؟
لِشبهة أو مصلحة تُستباح دولٌ إسلامية بشعوبها، وتحول إلى ساحات حرب ودمار، ويُترك المعتدون المجاهرون المخربون من اليهود الغاصبين يسرحون ويمرحون!
أيُّ عدلٍ عنه يتحدثون؟ وأيُّ سلامٍ به يتكلمون؟ أليست سياسات العالم المتحضِّر -كما يزعمون- هي التي نشرت الخوف في أوسع نطاق على هذه الكرة؟ أليسوا هم مَن أوقع أكبر عدد من قتلى الحروب على مدى التاريخ؟
معاشر المؤمنين، إنّ المؤمن لا يعرف ملاذًا عن الشدائد إلا ربّه، إلا خالقه، وإنه لنعمَ المولى ونعم النصير ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران : 173].
ويوم تجمّع الأحزاب، وتآلب الأعراب، وتنادى اليهود، وتجمعت الجموع؛ وصف الله حال المؤمنين فقال جلت قدرته﴿وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ [الأحزاب: 10]، ولكن ماذا كان رد المؤمنين، لقد كان ردهم الواثقين بربّهم، المعتمدين على خالقهم قال تعالى:﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 22].
علينا أنْ نثق بموعود علام الغيوب، وألاَّ يتسلل اليأس إلى القلوب، فتلك هزيمة قبل الهزيمة، هذا نوح عليه السلام لم يؤمن معه إلا قليل، ويزداد طغيان الكفر، ويبلغ مداه، عند ذلك يعلن نوح عليه السلام التنصلَ من قوى البشر، والاعتمادَ على ربِّ البشر ﴿فَدَعَى رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: 10]، ما أقرب النصر، فليس بينه وبين الغلبة والقهر إلاّ الفاء ﴿مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾، إن النصر بعيد في نفوسنا فقط، في تصوراتنا فقط، ولو أراد الله أنْ يُهلك اليهود بكل عدتهم؛ بذبابة أو بعوضة أو حشرة، لَفَعَل سبحانه، ولا ما قدروا ردها، لو شاء سبحانه لأهلكهم بالهواء أو الماء، ولو أراد جلَّت قدرته لقتلهم في أجسادهم، ولكن له سبحانه حكمة، قد تظهر لنا وقد تخفى، من ذلك أنه سبحانه يبتلي صبرنا، ويختبر اضطرارنا إليه، ولجوءنا له، واعترافنا بحقه، معاشر الكرام، إذا رأينا مثل هذا الحال، فلندرك أنّ البلاء منّا، والخلل فينا ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: 30].
أما نصره سبحانه فقريب، ﴿أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214]، ولكن نحن ماذا فعلنا حتى نستحق نصر الله؟ كيف حالنا مع ربِّنا؟ مع أوامره ونواهيه وحدوده؟ إننا إذا نصرنا ربنا بفعل ما أمر وترك ما نهى؛ نصرَنا الله، أما جعل سبحانه ذلك شرطًا لنصره فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، بل وأكد ذلك سبحانه بقوله:﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾
معاشر الكرام إن اليهود وأعوانهم ومن في الأرض جميعا ضعفاء أمام قدرة الله، لكن له سبحانه حكمة في إمهالهم، وسيأتي اليوم الذي ينالون فيه جزاءهم، لقد توعدهم الجبار جل جلاله بالنكال والعذاب، فقال سبحانه: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ [الإسراء: 8]، فيا ويحهم من جبروت الله وقدرته.
معاشر الكرم، نحن وإنْ تألمنا لِما نرى أو نسمع؛ فلنوقن أنّ الأعداء أيضًا يألمون، وقد أخبرنا الله بذلك فقال: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ﴾ [النساء: 104].
لكن الفارق أننا نرجو من الله مالا يرجون، إنهم يرجون دنيا، ونحن نرجو الأخرى، إنهم يدمرون ونحن نبني، إنهم ينشرون في الأرض الفساد، ونحن ننشر الخير والسعادة للعباد، فلنوقن بنصر الله ومدده، ولْنعمل أنْ نكون من أهل ذلك النصر، ولنَمضِ على خطى المتقين، وسبيلِ المؤمنين ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249]، والانتصار الحقيقي هو انتصار المبادئ، ولو فنيت الأبدان، وقصة صاحب الأخدود خير شاهد، إنّ الأبدان فانية، فقد تموت بتوافه الأمور، وقد يكون ذلك بعظيمها:
مَن لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحد الموت ليس هو نهاية المطاف، بل قد يكون بداية النصر والحياة، فالمؤمنون يستبشرون به إذا كان في سبيله سبحانه، ولأجل الدفاع عن دينه كما قال سبحانه: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 170 ، 171]، الناس كلهم يموتون ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: 185]، ولكن هناك أناس يختارهم الله ويتخذهم، إنهم الشهداء كما قال سبحانه: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل عمران: 140]، ونحسب إنّ إخواننا في غزة كذلك، والله حسيبهم؛ لأنهم مظلومون، ولأنهم يدافعون عن دينهم وأرضهم وأعراضهم ومالهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "مَن قُتِل دون مالِه فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" [رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح].
اللهم انصر إخواننا في غزة، اللهم أجبر كسرهم، وداوِ جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وارحم ميتهم.
اللهم انتقهم لهم ممن بغي عليهم يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
________________________________
الخطبة الثانية:
أما بعد:
فقد يتساءل متسائل: ما دوري وأنا أرى المأساة؟ ماذا أفعل وأنا قليل الحيلة؟ ضعيف الوسيلة؟
إنك –أيها الفاضل- تستطيع فعل الكثير، فليس النصر مقصورًا على دبابات وطائرات، وحاملاتٍ وبارجات، وجيوش ومعسكرات، فقد لا يجدي ذلك شيئًا، والله لو جمعت الدول الإسلامية جموعها، وصفت طائراتها ودروعها، وحشدت حشودها وجيوشها ضد اليهود؛ ما أغنى ذلك شيئًا إنْ لم يرِد الله النصر.
معاشر الكرام، تذكروا معي –بارك الله فيكم- كيف أيّد الله نبيه بآلافٍ من الملائكة المكرمين، ذوي الخَلْقِ العظيم، والقدرة المبهرة، فقال سبحانه: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران : 124 ، 125].
وهل للقوى البشرية قبل بالملائكة العظام؟ كلا، ومع هذه القوة العظيمة، والحشود الملائكية يقول سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ [آل عمران : 126]، إنّ هذا التأييد بشرى وطمأنة فقط، أمّا النصر فهذا لله وحده ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾.
فالله الله بالثقة بموعود الله، وأنّ نصره قريب، حتى يبقى الأمل يحيي القلوب، ويبعث على العمل.
والله ما فعل اليهود ما فعلوا إلا مِن خوفهم وجبنهم، إنهم يعيشون حياة البؤساء، يمشون خائفين، ينامون خائفين، أيّ صوتٍ يفزعهم، وأيّ حدث يرعبُهم ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ [الأحزاب : 26]، زادهم الله رعبًا وخوفًا، وتشتتًا وفرقة.
معاشر الكرام، مما لا نُعذر بتركه في مثل هذه الأحداث ونحن نتابع تفاصيلها، زيادةُ الصلة بالله، وتغيير الحال مع ربنِّا، إننا نسهم ببعدنا عن ربِّنا في تأخير النصر، وحلول العقوبة، فمتى يتوب المخطئ؟ ومتى تُرفع المظالم؟ ومتى تؤدَّى الحقوق؟ ومتى يعظّم شرع الله؟ أما قال عليه الصلاة والسلام: "ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم" [رواه ابن ماجه، والحاكم، وغيرهما، وقال: صحيح الإسناد].
ومما لا نعذر فيه الدعاء لإخواننا بالنصر وإزالة الغمة، ورفع البلاء، فهذا سلاح المؤمن القوي، وإنْ زهد فيه الفارغون، وقلّل من شأنه ضعفاء الإيمان والمخذلون، الدعاء هو سلاح الأنبياء قبلنا، هذا إبراهيم عليه السلام دعا لما أُلقيَ في النار، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهذا نوح عليه السلام دعا لمّا غلبه الأعداء فقال: ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾، وهذا محمد عليه الصلاة والسلام دعا حتى سقط رداءه، وقنت شهرًا يدعو على الأعداء، فمَنْ يُعذَر في هذا؟
والله إن عجزنا عن الدعاء فنحن عما سواه أعجز، فَلْنُرِ ربّنا من أنفسنا خيرًا، ولنلهج باللجوء إليه سبحانه، علّه يكون في هذه الأمة مسلمٌ مستجاب الدعوة، يغيّر الله بسببه الحال.
ومما لا نعذر فيه الإنفاق من المال لمساعدة إخواننا عن طريق القنوات الرسمية المعلنة في هيئة الإغاثة والندوة العالمية للشباب الإسلامي، خصوصًا بعد إطلاق هذه الحملة المباركة من هذه البلاد المباركة؛ لنصرة إخواننا، فلم يبق لنا بعد هذا عذر.
وإذا كانت الدولة –وفقها الله لنصرة هذه القضية- قد تكفّلت بالعلاج، فعلينا أنْ نكون عونًا لها في الخير، والحسابات مُعلنة في الجرائد الرسمية لمن أرادها، فلنستجب لهذا، فقد قدّم الله الجهاد بالمال على الجهاد بالنفس في أكثر المواضع في كتابه، ولنبادر استجابة لقوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [الحديد : 10].
اللهم عجِّل بنصر إخواننا، واشف صدورنا بدحر عدوِّنا يا ذا الجلال والإكرام.
عباد الله، صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبد الله؛ كما أمركم بذلك الله، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 56].
_____________________
(1) ألقيت بجامع البازعي بتبوك، في 5/1/1430هـ.
(2) أحكام أهل الذمة - (1 / 486).
|
خدمات المحتوى
| تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0 Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.
الرئيسية
|الصور
|المقالات
|الأخبار
|الفيديو
|الصوتيات
|راسلنا | للأعلى
لتصفح أفضل:
استخدم موزيلا فايرفوكس
|
|