جديد الفيديو
المتواجدون الآن
| 06-10-1431 08:32 PM
الإشاعة
بين الفينة والأخرى نسمع عن زلة كريم، أو هفوة عظيم، أو خبر عن مشهور أو قصةً لعالِم، أو حادثة لداعية ، تنال من عرضه، أو تسيء إلى سمعته، أو تجرح عدالته، تطير بها الألسنة، وتتلقاها الآذان، وتُشِيعُها وسائل الاتصال، وكأنما هي غنيمة ظفرنا بها، فتجد المجالس تعج بالأحاديث والتحليلات، ومواقعُ الانترنت بالتفصيلات والتعليلات، وقليل مَن يُذَكِّر بمنهج هذا الدين العظيم، الذي يحمينا حتى من أنفسنا، فكيف نسعى نحن لفضح بعضنا بعضًا، أو إشاعة البلاء في مجتمعنا، إننا نحفظ أنفسنا وأعراضنا بستر غيرنا، ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة" ، ومَنْ منا لا يريد الستر لعرضه أو هناته أو أخطائه.
إنّ هذا الاستبشار الذي نراه على الوجوه، أو نسمعُه من الأفواه، أو نقرأُه على الصفحات، أو تتناقله رسائل الجوال، عن وقوع إنسان في جريمة، أو القبض عليه متلبسًا بفاحشة، لهو أَمر يجب ألا يكون فينا، كيف نفرح بمثل هذا ونحن مأمورون بالستر على إخواننا؟
ذكر المناوي في شرحه للحديث السابق أنّ المراد هو ستر المسلم عند الاطلاع على ما يشينه في دينه وعرضه أو ماله وأهله، ويكون الجزاء عظيمًا سترُ من الله في الدنيا والآخرة.
ومَن أصرّ على نشر فضائح الناس وإذاعتها –أيًّا كانوا وتحت أي مبرر- فليعلم أنه عرّض نفسه للفضيحة وهتك الستر، قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد بسند صحيح: "يا معشر مَن آمن بلسانه، ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومَن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف داره"، قال بعض السلف: "أدركت قومًا لم يكن لهم عيوب فذكروا عيوب الناس، فذكر الناس لهم عيوبًا، وأدركت أناسًا كانت لهم عيوب، فكفوا عن عيوب الناس، فنُسيَت عيوبهم".إذًا لماذا نحن لا نرعى ذلك في إخواننا إذا حصلت من أحدهم زلة، أو وقعت منه هفوة؟
ذُكر أنّ عثمان رضي الله عنه دُعي إلى قوم على ريبة، فانطلق ليأخذهم، فتفرقوا فلم يدركهم، فأعتق رقبة شكرًا لله تعالى؛ لأنه لم يجر على يديه خزيٌ لمسلم ا.هـ.
هذه هي الأخلاق، يعتق رقبة؛ لأن الله أنجاهم وسترهم، ولم يطلع رضي الله عنه منهم على خزي، ولم يكن هو السبب في هتك سترهم، إنه رضي الله يفرح بالستر، ونحن اليوم نفرح بالهتك، وشتان بين الطريقين والمنهجين والخُلُقَين، خلق في الثرى، وخلق في الثريا.
أين نحن في مثل هذه الحال من ذلك التوجيه الرباني العظيم في شائعة الإفك؟ ﴿لَوْلاَ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ﴾ .
إنه منهج فريد في التعامل مع مثل هذه الأحداث والوقائع، إذا سمعت بخبر، أو قصة، أو حادثة؛ أساءَت إلى عرضِ مسلمٍ فتوقف، وقل: ربما لهُ من الخير ما لا أعرف، وإن كنتَ تعرف عنه الخير؛ فتذَكَّر كل صوره، وقل: إن له من الحسنات والأعمال الخيّرة ما يستر هذه الزلة إن حصلت، وبهذا ينهدم ما بناه الشيطان، ويتكسر ما شيده مفرق الجماعات (إبليس) على صخرة الثبات والتأنّي وحسن الظن بالمسلمين.
كيف يطيب لنا أن نتساهل بمثل هذه الأخبار، ونحن نسمع قوله تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ ؟ إنها آية ترسم لنا المنهج قويمًا، والصراط مستقيمًا.
إن المطلوب ألاّ نستعجل باستقبال الأخبار، حتى إننا لا نسمعها بآذاننا، بل نتلقاها بألسنتنا ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ﴾، إنها العجلة صورتها هذه الآية أبلغ تصوير، بل إنها اللهفةُ لسماع الأخبار السيئة عند بعض الخَلْق؛ كشفت عنها كلمة ﴿تلقونه﴾، وكأنّ هذا الخبرَ السيئ غائبٌ يُنتَظَر، وحبيبٌ يُتَلَقَّى.
أليس هذا موجودًا فينا ؟ أليس مِنَّا مَن تنفرج أساريره إذا أُشيع خبرٌ عن إنسان، أو قُبِضَ عليه؟ ألا يبادر بعضنا بإرسال رسالة وكأنما يبشر غيره؟
يا هذا، مهلاً، أليس هذا الرجل مسلمًا مثلك؟ أتحب أن يُفعَل معك مثلُ ما تَفْعلُ أنت معه؟
ومما أشارت إليه الآية الكريمة غياب العلم عند هذا الصنف من نَقَلَةِ الأخبار كما في قوله تعالى: ﴿وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ﴾، وهذا أمر منطبق تمامًا على كثير من أخبارنا وطريقة نقلنا، فيكتفي كثيرٌ من الناس برسالة تأتي إلى جواله، ربما يكون فيها خبرٌ يسيء إلى مسلم، يكتفي مستقبلها بمصدر الخبر المجهول، ليقوم بإرسالها إلى العشرات وربما المئات، ولقد شاع هذا الأمر حتى إنه ربما يندر أن تجد اليوم مَن يتثبّت في الأخبار، ويتأنى في نشر القصص، وعجبًا والله لنا، أصبح التصرف الحكيم غريبًا وقليلاً، فلِمَ لا نفكر في تغيير حقيقي لحالنا، وتعديل سويٍّ لمنهجنا؟
وتشير الآية أيضًا إلى عدم تقدير كثير من الناس إلى خطورة تناقل هذه الأخبار، وما يترتب عليها من الآثار كما في قوله تعالى: ﴿وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾، كيف يحق لنا بعد هذا أن نستهين بأمر عظيم عند الله؟ أترك الإجابة لكل عاقل.
|
خدمات المحتوى
| تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0 Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.
الرئيسية
|الصور
|المقالات
|الأخبار
|الفيديو
|الصوتيات
|راسلنا | للأعلى
لتصفح أفضل:
استخدم موزيلا فايرفوكس
|
|