تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
01-03-1433 09:45 PM


الغش

(23/4/1422هـ)

الخطبة الأولى
أما بعد :

فإنه لا بد لنا أن نلتقي في بيع أو شراء ، ولا بد لنا أن نحتاج إلى بعضنا في مشورة أو نصيحة ، ولا بد لنا من تعاون واتصال، حتى تبحر السفينة ويصلح الحال ، ومن حكمة الله سبحانه أن سخر بعضنا لبعض ، فكل منا يحتاج للآخر ، وكل منا يكمل الآخر ، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها ، ونحن نحتاج في هذا الجو التعاوني إلى نبذ صفة خسيسة ، وخصلة ذميمة ، تحمل على الظلم ، وتسلب الحقوق ، وتنبئ عن نفس دنيئة وإيمان رقيق ، إنها خصلة الغش ، الذي يدخل في البيع والشراء فيفسدهما ، ويؤثر في المشورة والنصيحة فيحرفهما، وينسل إلى القلب فيؤثر فيه ، إنه الغش ، الذي هو خلاف النصح ، الغش الذي يقوم على إظهار الأمر على غير ما هو عليه ، إنه تغيير للحقائق ، وقلب للأمور ، ونظراً لشدة أثره وعظيم خطره على المجتمع ، فقد قال صلى الله عليه وسلم محذراً : (( من غشنا فليس منا )) رواه مسلم ، يا لها من كلمة ما أشد وقعها ، فأين الباعة ألا يسمعون ؟ أين أهل المهن ألا يدركون ؟ أين أصحاب الولايات ألا ينتبهون ؟، إن الأمر خطير ، والإفساد كبير ، إذا انتشر هذا الخلق في البلاد ، وسرى شره بين العباد .

اعلم أيها الفاضل بأن الغش على ثلاثة أنواع :

النوع الأول : هو الغش في البيوع خصوصاً ، وسائر المعاملات عموماً ، وهذا النوع عرّفه ابن حجر بقوله : (( الغش أن يعلم صاحب السلعة فيها عيبا ، لو اطلع عليه مريد أخذها ما أخذها بذلك المقابل )) .

فيا أصحاب المتاجر والسلع ، ويا أرباب المهن والحرف ، اتقوا الله في بيعكم ، وراقبوا الله في صنعتكم ، وتذكر -أيها الفاضل- بأنك إذا بعت مالا يستحق الثمن الذي أعطي لك فأنت غاش , وإذا كتمت عيباً في السلعة فأنت غاش ، انظر إلى أحوالنا الآن في بيع المواد الغذائية والخضروات والفواكه ، والملابس والحاجيات , ثم انظر إلى هذه الحادثة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث مر عليه الصلاة والسلام على صرة طعام (أي كومة طعام ) عرضها صاحبها للبيع ، فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بللاً ، أي وجد في أسفلها بللاً, وهذا غش حيث جعل الجيد فوق ، والرديء في الأسفل ، فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما هذا يا صاحب الطعام ؟ قال : أصابته السماء أي المطر ، فقال عليه الصلاة والسلام : أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس ؟ من غشنا فليس منا )) رواه مسلم .

ألا فليسمع هذا التوجيه النبوي باعة الفواكه والخضراوات ، والتمور والحبوب، الذين تفننوا في رصف الجيد أعلى البضاعة وهم يعلمون أن أسفلها رديء ، ألا يخافون الله ، يغشون العباد ، وينشرون في الأرض الفساد ، ويكسبون المال من غير حله ، ويزيدون الطين بله ، فيا أيها البائع قبل أن تمتد يدك لوضع الرديء وإخفائه بالجيد ، تذكر رقابة الله ، وقبل أن تصدر أوامرك لعمالك بأن يمارسوا هذا الجرم ، تذكر أن هذا حرام وسحت ، وأيما جسد نبت من سحت فالنار أولى به , وأنتم يا أصحاب الحرف ، من الحدادين والنجارين ، وجميع الأصناف الأخرى ، راقبوا الله في أعمالكم فقد قال صلى الله عليه وسلم : (( خير الكسب كسب العامل إذا نصح )) أما إذا غش فكسبه خبيث، واعلموا أن صاحب العمل قد لا يعرف أسرار الصناعة ، أما أنت فتعلم الأصناف والأنواع ، وتدرك الفروق والميزات , فكن لأخيك المسلم ناصحاً ، وليكن مقياسك ألا تعطي أخاك المسلم ، إلا ما ترضاه لنفسك سواء من ناحية السعر ، أم من ناحية إتقان الصنعة .

ومن الغش ، الحلف على أثمان السلع بخلاف الواقع قال صلى الله عليه وسلم : (( ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، ... وذكر منهم، ورجل بايع رجلاً بسلعة بعد العصر فحلف له بالله لأخذها بكذا وكذا، فصدقه وهو على غير ذلك ...)) رواه مسلم (108) .

أفلا يتعظ هؤلاء الذين أفنوا أيمانهم في إنفاق سلعهم ، تأمل في حال البائعين كم يحلفون ، وانظر إليهم كيف يسارعون في الإيمان قبل أن تطلب منهم، كل ذلك ليكسب أحدهم بضع دراهم ، أو يكون مندوباً لشركة له نصيب على التسويق فيها ، فتجده لا يتورع أبداً عن ذكر أعلى المقاييس ، وأفضل النتائج مؤكداً ذلك بأيمان مغلظة ، يا لخيبة الأمل ، كيف ندعي الإسلام ، وعند المال يكون الاستسلام؟ .

ألا فليعلم التجار أن من الغش للمسلمين ، وضع علامات تجارية ذات سمعة عالمية على منتجات هزيلة ، ثم تبيعها بمبالغ كبيرة ، ويدخل في هذا رضاهم بذلك وسكوتهم عنه ، إننا نعلم أن بعض أهل التجارة يباركون هذا العمل ، ويقومون بتصنيع هذه السلع المقلدة في دول لا هم لها إلا ذلك ويقوم بتسويقها بين المسلمين .

ولقد كثر هذا الأمر حتى عده بعض اللاهثين وراء سعار المادة براعة وفنا وفطنة وذكاء .

ومن هذا أيضاً جميع ألوان التزوير سواء في البضائع أم الأختام أم النقود :

ومن الغش في البيوع النجش وهو الاتفاق على الزيادة في سعر السلعة ولا يريد شراءها ، وإنما المراد إيقاع من يجهل شأنها فيأخذها بغير ثمنها الحقيقي .

ومن الغش الكذب في الإعلان عن السلعة بما ليس فيها ، ومن الغش تغيير علامات الأراضي للاستيلاء عليها ، وهذا منتشر بين أصحاب الأراضي الزراعية غير المنظمة ، ألا فليعلم أولئك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لعن الله من غير منار الأرض )) أي علاماتها . رواه مسلم ( 1978) .

فاتق الله أيها المؤمن وابتعد عن كل ما يضر إخوانك المسلمين ، وعاملهم بما تحب أن يعاملوك به ، وارض لهم ما ترضاه لنفسك ، فإنك لا ترضى أن يخدعك أحد ، ولا أن يغشك أحد ، ولا أن يغرر بك أحد فكيف ترضى ذلك لإخوانك ؟.

اعلم أيها الفاضل، أن أعظم أسباب انتشار الغش خصوصاً في التجارات والصناعات هو حب الدنيا والطمع واستعجال الربح، وعدم مراقبة الله ونسيان عقابه ، لا أيها الفاضل تمهل فأمامك يوم عظيم ، وحساب دقيق }ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئا وإن كان مثقال حبة من خردل أتينا بها وكفى بنا حاسبين { [الأنبياء: 47] ، وهذا النوع المنتشر وخصوصاً في البيوع والأراضي هو من كبائر الذنوب ، يقول ابن حجر رحمه الله: (( عد هذا كبيرة هو ظاهر ما في بعض الأحاديث من نفي الإسلام عن الغاش مع كونه لم يزل في مقت الله ، أو كون الملائكة تلعنه )) .

عباد الله، أقول ما تسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب ، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

---------------------------------
الخطبة الثانية

أما بعد :

فقد رأينا بعض صور النوع الأول من الغش ، أما النوع الثاني فهو : الغش في النصيحة ، والاستشارة ، وقد قالوا : غشه غشاً أي لم يخلص له في النصح .

يا عبد الله، قد تجد من الناس من يعميه الحسد ، أو يحجب عينيه حب الدنيا ، أو التسلط ، فإذا استنصحه مسلم أو استشارة ، أشار عليه بخلاف ما يعلم أنه صواب ، قال صلى الله عليه وسلم: (( المستشار مؤتمن )) ، فيجب عليك أيها المؤمن إذا استنصحك أخوك المسلم أن تخلص في النصح له، وتشير عليه بما تراه صواباً، ولو كان خلاف مصلحتك الخاصة، وهذا النوع يظهر في المنافسات ، فقد يأتي إنسان يريد أن يزاول عملاً تجارياً ، فيستشير تاجراً له خبرة في ذلك المجال ، فيشير عليه بعدم ممارسة هذا النشاط من التجارة ، يفعل كل ذلك حسداً منه، وخوفاً أن ينافسه في تجارته ، وهذا فيه سوء ظن بالخالق سبحانه فالرزق بيده وحده قال تعالى: } أهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا { [الزخرف: 32] ، وقال ابن حجر: (( وهو من الكبائر الباطنة لأن مرجعها سوء القلب )) ويلحق بهذا كل حقد وحسد يحمله الإنسان على إخوته، تأمل في هذا الحديث -أيها الفاضل- ، قال صلى الله عليه وسلم : (( يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة ، فطلع رجل من الأنصار وذكر ذلك ثلاثاً فخرج الرجل نفسه)) فتعجب عبد الله بن عمرو بن العاص ، فبات عنده ليالي فلم ير عنده كثرة صلاة ولا صيام ، فسأله ما الذي بلغ بك إلى ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم , قال: هو ما رأيت غير أني لا أحمل في نفسي على أحد من المسلمين غشاً ولا أحسده على خير أعطاه الله إياه ، فقال عبد الله فهذه التي بلغت بك وهي التي لا نطيق )) رواه أحمد (3/166) .

إنها النظافة الكاملة للقلوب المؤمنة ، فاحذر يا عبد الله من غش القلب هذا , فإن السالم منه قليل ، وتذكر هذه الليلة إذا أويت إلى فراشك ، هل في القلب غش على أحد من المسلمين ، راجع نفسك ونقّ قلبك .

النوع الثالث : غش الرعية ، وقد عدَّه الذهبي رحمه الله من الكبائر ، وكلما عظمت المسؤولية عظمت المساءلة ، والمسؤول عن عدد من الناس ولو كان قليلاً يعد مسؤولاً عن رعية ، فالمعلم تحته رعية ، ورئيس الدائرة تحته رعية ، والرجل في بيته تحته رعية ، وهكذا تتفاوت المسؤوليات ، من الولايات الكبرى إلى الولايات الصغرى كل بحسبه ، لذا كانوا يفرون من القضاء والحكم لما يعلمون من تبعة ذلك ومسئوليته .

واليوم يتقاتل الناس على الإدارة كل يريدها , فإذا تولاها أحدهم لم يدرك من حقوقها شيئاً ، فهل من يتولى الإدارة يسأل عن أحوال من تحت يده ، هل ينصحهم ويوجههم ، هل يساندهم ويساعدهم ، هل يتابع عملهم ، هل يعدل بينهم ، هل يوصل إليهم حقوقهم ، هل يعطيهم الذي لهم ؟، أم أن هناك محسوبيات ووساطات ، ومعارف ومقربين ، ومصالح متبادلة ، وأحوالاً منكرة؟ .

وفي جانب العمال ما شأنهم مع كفلائهم؟ ، وفي جانب المؤسسات والشركات، والقطاعات الحكومية والخاصة هل كل قام بما عليه ولم يأخذ إلا ماله؟ ، لو كان الأمر كذلك ما رأينا كثرة الشكاية ، ولا رأينا أرتال الناس يملأون أروقة المحاكم .

وهناك ولاية الأب في بيته، هل أدى ما عليه من التربية والتعليم ، والنصح والتهذيب أم أنه أهمل ذلك حتى شب أولاده عن الطوق ، وتجاوزوا سن التعليم والتدريب ؟، إننا نلحظ خصوصاً في جانب النساء تهاوناً كبيراً من الأولياء الذين جعلهم الله أهل القوامة ، فأحدهم لا يعتني بتعليم ولا توجيه ، ولا يتابع أحوال أهل بيته من زوجة وبنات حتى ظهر من المنكرات ما يشهده الجميع.

يا عبد الله ، أما تخاف الله حين يسألك يوم القيامة كما قال صلى الله عليه وسلم : (( إن الله سائل كل امرئ عما استرعاه ، حتى يسأل الرجل عن أهل بيته)) ، إنّ تركهم وإهمالهم من الغش ، وجلب ما يحرفهم ويفسد أخلاقهم من الغش ، أما يخشى من هذا حاله من الوعيد الشديد في قوله صلى الله عليه وسلم : (( أيما راع استرعى رعية فغشها فهو في النار )) السلسلة الصحيحة (1754)، وقوله صلى الله عليه وسلم : (( ما من رجل يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت ، وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة )) رواه مسلم .

فانتبهوا يا أصحاب الولايات والمسؤوليات ، وانصحوا وحاسبوا أنفسكم قبل أن يحل الأجل ، وينقطع الأمل .

اللهم وفقنا للخيرات ، وجنبنا المنكرات ، برحمتك يا أرحم الراحمين .

عباد الله ، صلوا وسلموا على الرحمة المهداة ، والنعمة المسداة، محمد بن عبد الله، كما أمركم بذلك الله } إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليماً{ [الأحزاب:56] .



د. عويض العطوي

جامعة تبوك

dr.ahha1@gmail.com

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 1086



خدمات المحتوى


تقييم
3.30/10 (22 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس