جديد الفيديو
المتواجدون الآن
| 04-01-1433 07:58 PM
(فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً)
في هذا الخطاب يتوجه الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وهو يصور شدة حرصه صلى الله عليه وسلم من وجوه منها:
أ- أن مضمون هذه الجملة يدل على عظم حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية أولئك القوم، رغم عنادهم وشدة كفرهم، الذي منه تلك الكلمة التي تخرج من أفواههم.
ب- مجيء (لعل) هنا يشعر بمقاربته صلى الله عليه وسلم إهلاك نفسه من أجل هدايتهم، كما تدل (لعل) هذه على الإشفاق عليه صلى الله عليه وسلم من تحسره على عدم هدايتهم، يقول ابن عاشور:"و (لعل) حقيقتها إنشاء الرجاء والتوقع، وتستعمل في الإنكار والتحذير...وهي هنا مستعملة في تحذير الرسول عليه الصلاة والسلام من الاغتمام والحزن على عدم إيمان من لم يؤمنوا من قومه. وذلك في معنى التسلية لقلة الاكتراث بهم"([1]).
ج- ذكر مادة (البخع) التي تعني قتل الإنسان نفسه، وهذا يصور عظم حدبه وجهده صلى الله عليه وسلم في السعي لإنقاذهم.
د- مجيء (البخع) بصيغة الاسم (باخع) دليل على استمراريته على ذلك، ودوامه عليه صلى الله عليه وسلم، فهو ليس حالة طارئة أو عارضة، بل هو حرصٌ حقيقي دائم.
ه- كون مفعول البخع هو (النفس) ﴿نَّفْسَكَ﴾ فيه إشعار بعظم الإهلاك، فهو للنفس.
و – في قوله تعالى: ﴿عَلَى آثَارِهِمْ﴾ تحديد لموقع البخع، وفيه من تصوير حرصه مالا يخفى، حتى لكأن نفسه صلى الله عليه وسلم تتساقط على آثارهم، وهو يتبع لينقذهم وهم يهربون، ولعل في إفراد ﴿نَّفْسَكَ﴾ في مقابل جمع ﴿آثَارِهِمْ﴾ ما يشعر بعظم الأمر، وعلى هذا تكون(على) دالة على الاستعلاء الحقيقي، ويمكن أن تكون تعليلية، أي لأجل إعراضهم، "ويجوز أن يكون المعنى تمثيل حال الرسول صلى الله عليه وسلم في شدة حرصه على اتباع قومه له، وفي غمه من إعراضهم، وتمثيل حالهم في النفور والإعراض بحال من فارقه أهله وأحبتُه، فهو يرى آثار ديارهم، ويحزن لفراقهم. ويكون حرف (على) ظرفاً مستقراً في موضع الحال من ضمير الخطاب، ومعنى (على) الاستعلاء المجازي وهو شدة الاتصال بالمكان"([2]).
ز- ﴿إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾ جاء نفي الإيمان عنهم "بصيغة الفعل المضارع المقتضية الحصول في المستقبل، أي إن استمر عدم إيمانهم"([3])، فدل ذلك على طول دعوته لهم، وعظم صبره عليهم، ولتهيئة نفسه أن تتحمل ما سيلقاه من عنادهم رأفة من ربه به([4]).
﴿إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾
يقول ابن عاشور:"مناسبة موقع هذه الآية هنا خفية جداً أعوز المفسرين بيانُها، فمنهم ساكت عنها، ومنهم محاول بيانها بما لا يزيد على السكوت"([5])، ولكن عند التأمل نجد المناسبة تظهر في كون الأرض التي يعيش عليها هؤلاء المشركون بزينتها فتنة لهم، وتلك الزينة بتنوعها ربما تكون هي سبب ضلالهم، ومع هذا سيذهب الله عنهم كل ذلك، وفي هذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم من صدود هؤلاء، الذي سبب له ذلك الأسى الذي كاد يقتله.
يقول ابن عاشور:"والذي يبدو أنها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم على إعراض المشركين بأن الله أمهلهم، وأعطاهم زينة الدنيا لعلهم يشكرونه، وأنهم بطروا النعمة، فإن الله يسلب عنهم النعمة، فتصير بلادهم قاحلة، وهذا تعريض بأنه سيحل بهم قحط السنين السبع التي سأل رسولُ الله ربه أن يجعلها على المشركين كسنين يوسف عليه السلام، ولهذا اتصال بقوله:﴿لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ ﴾"([6]).
ولهذه الآية دلالات منها:
1- ابتداء الجملة بـ﴿إِنَّ﴾ يدل على أهمية محتواها.
2- "موقع (إن) في صدر هذه الجملة موقع التعليل للتسلية التي تضمنها قوله تعالى: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ﴾ [الكهف: 6]"([7]).
3- ذكر ما على الأرض دون ذكر الأرض بأن يقال: جعلنا الأرض للفت النظر أن ذلك منفصل عن الأرض، منقطع عنها، يمكن أن يتحول ويتغير.
"أوثر الاستدلال بحال الأرض التي عليها الناس؛ لأنها أقرب إلى حسهم وتعقلهم"([8]).
4- في قوله تعالى ﴿زِينَةً لَّهَا﴾ دون "زينة لهم" لأن المراد زينة الأرض، لا زينة أهلها، وهي أوسع، إذ زينة الناس مأخوذة من زينة الأرض، وزينة الناس مهما عظم شأنها لن تكون في مقدار وسحر زينة الأرض.
5- في قوله تعالى:﴿لِنَبْلُوَهُمْ﴾ تعليل لما قبلها، وفي هذا تنبيه إلى أن ما نراه، ونشعر به من زينة الأرض حولنا اختبار وابتلاء.
6- في قوله تعالى:﴿أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ دليل أن المطلوب هو حسن العمل.
في ختم الآية بـ﴿وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيداً جُرُزاً﴾ يدل على الفناء الكامل لكل الزينة التي فتنوا بها، فما كان زينة من نبات أو ماء أو غيره يكون ترابا لانبت فيه، وبهذا تكمل تسليته صلى الله عليه وسلم.
_______________________
([1]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 330).
([2]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 330).
([3]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 330).
([4]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 330).
([5]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 331).
([6]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 331).
([7]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 331).
([8]) التحرير والتنوير - (ج 8 / ص 331). |
خدمات المحتوى
| تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0 Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.
الرئيسية
|الصور
|المقالات
|الأخبار
|الفيديو
|الصوتيات
|راسلنا | للأعلى
لتصفح أفضل:
استخدم موزيلا فايرفوكس
|
|