جديد الفيديو
المتواجدون الآن
| 01-25-1433 09:24 PM
القصر لغـة: هو الحبس، قال تعالى: ﴿وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ﴾ [الصافات: 48]، أي: حابسات الطرف إلا على أزواجهم.
وفي اصطلاح البلاغيين هو: تخصيص أمر بأمر بطريق مخصوص.
وله أركان ثلاثة هي: 1- مقصور 2- مقصور عليه (وهما طرفا القصر) 3- طريق القصر.
أنواع القصر:
للقصر أنواع كثيرة بحسب طريقة التقسيم، فمنها: القصر الحقيقي، أي المطابق للواقع، والقصر الإضافي (الادعائي)، وهو ما لا يطابق الواقع.
ومن أنواعه: قصر الموصوف على الصفة، وقصر الصفة على الموصوف.
فإذا قلنا مثلاً: إنما الشاعر المتنبي، نكون قد قَصْرنا الشاعرية على المتنبي، فيكون هذا من قصر الصفة (الشاعرية) على الموصوف (المتنبي)، وهو أيضاً من القصر الإضافي؛ لأن الواقع يشهد بغير هذا، فالشاعرية صفة موجودة لغير المتنبي، أما إذا قلنا: إنما المتنبي شاعر، فهذا من قصر الموصوف (المتنبي) على الصفة (الشاعرية)، وهو من القصر الإضافي أيضاً، ومثال القصر الحقيقي: لا خالق إلا الله، لأن قصر صفة الخلق على الله هو الحقيقة بعينها.
وهنا قضية مهمة، تبرز من خلال هذا السؤال: أيهما أبلغ قصر الموصوف على الصفة أم قصر الصفة على الموصوف؟
الجواب عن ذلك أن نقول: لكل من النوعين مكانه وبلاغته، ففي مواطن المدح يحسن استعمال قصر الصفة على الموصوف، وفي مواطن التمييز والرد والإيضاح يحسن استعمال قصر الموصوف على الصفة.
وإنما قلنا يحسن استعمال قصر الصفة على الموصوف في المدح لما فيها من المبالغة في اتصاف الموصوف بالصفة، كقولنا: ما الشاعر إلا المتنبي، فنحن بهذا نقصر الشاعرية كلها على المتنبي، حتى لكأن الشعراء غيره لا يستحقون هذه الصفة، وهذا بلا شك غاية المدح، وهو غير مطابق للواقع؛ لذا فهو يسمى زيادة على ما سبق قصراً إضافياً (غير حقيقي).
أما النوع الثاني وهو قصر الموصوف على الصفة، فقد لا يحسن في مواطن الثناء، إذ قد يُشْعِر بالذم، فإذا قلت مثلاً: (ما المتنبي إلا شاعر)، فكأننا بذلك جرّدنا المتنبي من كل الصفات، وادعينا أنه لا يحسن إلا هذه الصفة، فهو ليس بشجاع ولا بكريم... إلخ، بينما الواقع غير هذا، ومردّ ذلك أنه لا يُتَصَوَّر موصوف ليس له إلا صفة واحدة، يمكن أن يحصر فيها، ولهذا لا يكون قصر الموصوف على الصفة إلا إضافياً.
وبهذا يظهر أن قصر الصفة على الموصوف أعم وأشمل؛ لأنك تجرد الآخرين من الصفة وتجعلها للممدوح، ولا مانع أن تكون له صفات أخرى، أما في قصر الموصوف على الصفة فأنت تجرّد الموصوف من كل صفاته، وتحصره في صفةٍ واحدة.
طرق القصر:
للقصر أربعة طرق مشهورة، هي:
الأول: (إنما) ويكون المقصور عليه معها مؤخراً، مثل قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾ [الحجرات: 10].
الثاني: النفي والاستثناء، ويكون المقصور عليه مع (إلا) هو الواقع بعدها.
الثالث: العطف بـ ( بل ولكن ولا)، والمقصور عليه في هذا الطريق يكون بعد (بل ولكن) وقبل (لا).
الرابع: تقديم ما حقه التأخير، ويتغير موقع المقصور عليه بحسب الجملة.
الفروق بين هذه الطرق:
ما يهمنا هنا هو بيان بعض الفروق الدلالية بين هذه الطرق وخصوصاً الأول والثاني، لما فيهما من الدلالات التي ينبغي إظهارها، ولكثرة استعمالها.
1- (إنمـا):
تأتي (إنما) للقصر في الأمور التي لا يجهلها المخاطب ولا ينكرها، أو ما يُنّزل هذه المنزلة، فمثال الأول قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾، فأخوّة المؤمنين غير منكرة، ولا أحد يجادل فيها، وهي من المألوفات لدى المخاطبين، لذا جيء معها بـ (إنما)، ومثال الثاني قوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا﴾ [مريم: 19]، فهذا جواب جبريل عليه السلام لمريم عليها السلام، والحق أن هذه المعلومات مجهولة لمريم بدليل قولها قبل ذلك: ﴿قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا﴾ [مريم: 18]، كما أن ما حدث أمر عجيب غير معهود، وهي -بلا شك- تجهل أنه ملك مرسل من الله، خصوصاً أنه تَمثَّل لها بصورة رجل حسن الصورة، بدليل قوله تعالى: ﴿فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا﴾ [مريم: 17]، وعلى القاعدة التي ذكرناها، فالمقتضى أن يستخدم الطريق الثاني وهو النفي والاستثناء، لكن لما كانت مريم عليها السلام قد عايشت كثيراً من خوارق العادة، ومن عظيم فضل الله عليها، وغير ذلك من الأمور، فقد تهيأت نفسيتها لتلقي أي أمر غريب، ومن ذلك مجيء الرسول على الهيئة المذكورة، لهذا قال لها: ﴿إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ﴾ [مريم: 19]، لأنها نُزِّلت -بسبب ما ذكرنا- منزلة من لا يُنكر ولا يجهل ولا يستغرب مثل هذا الأمر، وأيضاً قد يكون المراد هو إظهار هذا الخبر العجيب الغريب عليها مظهر الخبر العادي المألوف، زيادة في الإيناس ودفع الخوف عنها، لأنه أشعرها بأن هذا الذي تخوّفت منه أمر معلوم ممكن.
وقريب من هذا -مع الفارق- قول أَكَلَة الربا: ﴿قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، فإنه مما لاشك فيه أن الربا منكر، وفيه أكل واضح لأموال الناس بالباطل، ومع هذا أخرجه أَكَلَةُ الربا مخرج المعروف المألوف الذي لا يُنكر، بل زادوا في ذلك حينما ألحقوا البيع بالربا، فجعلوا الربا المحرم حلالاً وأصلاً، وحصروا الجدل عندهم في البيع أيلحق بالربا في الحِلّ أم لا، والذي دلّنا على هذا هو طريق (إنما) الذي لا يستعمل إلا فيما يُعرف ولا يُنكر، فهم بهذا نزّلوا الربا وأَكْلَهُ منزلة الكسب الحلال الذي لا يُجادِل فيه مُجادل، ولا يُنكِر فيه مُنكِر، فلما كان ذلك كذلك من الإدعاء الباطل وتحريف الكلم عن مواطنه، جاء الرد من الله واضحاً وصريحاً، فقال سبحانه: ﴿وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا﴾ [البقرة: 275]، فأعيد البيع إلى مكانه فأصبح أصلاً ثم ذكرت حرمة الربا.
2- النفي والاستثناء (ما و إلا):
يستخدم هذا الطريق فيما ينكره المخاطب أو يجهله أو ما ينزّل هذه المنزلة، فهو على عكس طريق (إنما)، ومثاله قوله تعالى: ﴿مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [المائدة: 75]، فهذا رد على القائلين بألوهية عيسى وأمه، وقد ناسب أن يكون القصر بهذا الطريق لأنه في موطن الرد والإبطال، ومن هذا القبيل كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، لأن ما ينكرونه هو توحيد الله.
أما قوله تعالى: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا﴾ [يس: 15]، في رد أصحاب القرية على المرسلين ففيه تنزيل لغير المنكر منزلة المنكر، لأننا نتفق أنهم لا ينكرون بشريتهم ولا يجهلونها، فهي أمر ماثل للعيان، وكان المقتضى أن يقال: (إنما أنتم بشر)، لكن لما كان هؤلاء الأقوام لا يستقيم في عقولهم أن يكون الرسول من البشر، بل يظنون أنه لابد أن يكون من جنس آخر كالملائكة، لذا جعلوا الرسل بدعوتهم إلى الله وقيامهم بالرسالة في منزلة من يرفع نفسه فوق منزلة البشرية، وتلك المنزلة هي الرسالة التي تؤول في أذهانهم إلى الملائكية، فأنكروا عليهم ذلك وجردوهم من تلك الصفة وحصروهم في البشرية.
ومثل هذا قوله تعالى عن نبينا صلى الله عليه وسلم: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ﴾ [آل عمران: 144]، فمن المحقق أن المؤمنين لاينكرون رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا ينكرون بشريته حتى يوجه لهم هذا الكلام بهذا الأسلوب، لكن لما كان حبهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم عظيماً وتعلقهم به كبيراً، وكان موضوع هذه الآية هو الإخبار عن موت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد يحملهم هذا الحب على ألاّ يصدق بعضهم خبر موته لأول وهلة، فكأنه بهذا رفعه فوق منزلة البشرية والرسالة، فقال الله لهم: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ﴾، أي ليس بملك ولا بإله.
|
خدمات المحتوى
| تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0 Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.
الرئيسية
|الصور
|المقالات
|الأخبار
|الفيديو
|الصوتيات
|راسلنا | للأعلى
لتصفح أفضل:
استخدم موزيلا فايرفوكس
|
|