تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
01-25-1433 08:46 PM


image

من الأمور المؤثرة في دلالة الاسم (التنكير والتعريف)، وسنبيّن شيئاً من تلك الدلالة إن شاء الله.
أولاً: التنكير
وقد بدأنا بالتنكير؛ لأنه الأصل، يذكر ابن جني أن التنكير أسبق رُتْبة من التعريف، ولهذا لما كان التعريف طارئاً على التنكير احتاج إلى زيادة فيه، هي علامة التعريف، وقد يكون من دلالة سَبْقِ التنكير أنه أوسع دلالة من التعريف، وتذكر معه دائماً إرادة الشيوع، وإذا تكررت النكرة دلت على معنى جديد -غالباً- على عكس المعرفة.
قال تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا* إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾ [الشرح: 5، 6].
ذُكر عن ابن عباس وابن مسعود رضي الله عنهما قولَهما : "لن يغلب عسر يسرين"، وقد روي مرفوعاً أنه صلى الله عليه وسلم خرج ذات يوم وهو يضحك ويقول : "لن يغلب عسر يسرين"، ولنا أن نتساءل عن معنى ذلك، خصوصاً أن العسر جاء معرّفاً (العسر) واليسر منكراً (يسراً)؟
والجواب: أن العسر معرّف وقُصِد به عُسْر معهود، أو أريد به جنس العسر، فتكراره لا يعني التعدد، فالعسر في الحقيقة واحد، وأما اليسر فمُنَكّر متناولٌ لبعض الجنس، فإذا كان الكلام الثاني مستأنفاً غير مكرر، فقد تناول بعضاً غير البعض الأول بغيرِ إشكال، كما يقول الزمخشري(1)، ويكون معنى هذا التنكير التفخيم،كأنه قيل : إنّ مع العسر يسراً عظيماً.
وفي حمل الآية على هذا المعنى عمل على الظاهر، وإظهار لقوة الرجاء، وأن موعود الله لا يحمل إلا على أوفى ما يحتمله اللفظ وأبلغه.
وتأمل سعة مدلول التنكير في لفظة (حياة) في قوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾ [البقرة: 96]، وقوله تعالى: ﴿وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 179]، فكلمة (حياة) جاءت منكّرة، لتشمل كل صور الحياة، وذلك أن إقامة القصاص من المعتدي حياة للمجتمع كله؛ فجاءت كلمة (حياة) منكّرة في مقابل كلمة (القصاص) المعرّفة، مما يدل على أنّ القصاص محدود، له سببه الذي يستدعيه، بخلاف (حياة) المنكرة، فإنها واسعة شاملة متنوعة.
وتأمل قوله تعالى: ﴿وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ﴾، فأنت إذا راجعتَ نفسَكَ وأذكيْتَ حِسَّك وجدتَ لهذا التنكيرِ وأنْ قِيلَ: ﴿على حياة﴾ ولم يَقُلْ: (على الحياةِ) حُسناً وروعةً ولطفَ موقعٍ لا يُقَادَرُ قَدْرُه، وتجدُك تَعْدَم ذلك مع التعريفِ وتخرجُ عن الأريحيَّة والأُنْسِ إِلى خلافِهما؛ والسَّبَبُ في ذلك أنَّ المعنى على الازديادِ منَ الحياةِ لا الحياةِ من أصلِها، وذلك لا يحرص عليه إِلاّ الحيُّ، فأمَّا العادمُ للحياة فلا يَصِحُ منه الحرصُ على الحياةِ ولا على غيرها، وإِذا كانَ كذلكَ صارَ كأنه قيلَ : ولتجدنَّهم أحرصَ الناسِ ولو عاشوا ما عاشوا على أن يزدادوا إِلى حياتِهم في ماضي الوقت وراهِنِه حياةً في الذي يُسْتَقْبَلُ، فكما أنَّك لا تقولُ هاهنا: أن يزدادوا إِلى حياتِهم الحياةَ بالتعريفِ، وإِنما تقولُ: حياةً، إِذْ كانَ التعريفُ يصلحُ حيثُ تُرادُ الحياةُ على الإطلاق كقولنا : كلُّ أحدٍ يحبُّ الحياةَ ويكرهُ الموتَ، كذلك الحكمُ في الآية...(2).
آمل أن تقرأ هذا التحليل مرة بعد أخرى حتى تفيد منه، ولا تستعجل الثمرة، وتنفر من عدم إدراك المراد بسرعة.
ولو وقفنا مع قوله تعالى :﴿يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ﴾ [التوبة: 21]، لوجدنا أن التنكير في (الرحمة والرضوان والجنات) للتعظيم، والمعنى: أنها فوق وصف الواصفين وتصور المتصورين، وتأمل كيف جاء كل ذلك في سياق البشارة من الله سبحانه!
وتأمل روعة التنكير في قوله تعالى: ﴿وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ﴾ [المؤمنون: 18]، فكلمة (ذهاب) نكرة، والمعنى: أي كما قدرنا على إنزال الماء فنحن قادرون على أن نذهب به بوجه من الوجوه، ولهذا التنكير في كلمة (ذهاب) حسن موقع لا يخفى، وفي هذا تهديد شديد لما يدل عليه من قدرته سبحانه على إذهابه وتغويره حتى يهلك الناس بالعطش وتهلك مواشيهم(3).
ومن شواهد التنكير قوله تعالى: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى﴾ [الإسراء: 1].
فمن لطائف هذه الآية أن الإسراء لا يكون إلا بالليل فما معنى ذكر الليل ولم كان نكرة (ليلا)؟ الجواب: ورد (ليلاً) بلفظ التنكير، لدلالة تقليل مدة الإسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة؛ وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة: من الليل أي بعض الليل، كقوله تعالى: ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً﴾ [الإسراء: 79]، يعني الأمر بالقيام في بعض الليل، وهنا تكون دلالة التنكير والتنويع، أي الدلالة على أجزاء النوع لا الشمول.
وتعال الآن إلى هذه الموازنة اللطيفة بين التعريف والتنكير في قوله تعالى عن يحيى عليه السلام: ﴿وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 15]، وعن عيسى عليه السلام قوله تعالى: ﴿وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33]، فقد جاء السلام منكراً مع يحيى لأنه من الله، ففيه دعاء ووعد من الله ليحيى عليه السلام، وهذا يناسب أن يكون السلام منكراً يشمل كل نوع من السلامة، ولا شك أن الله قادر على ذلك.
أما عيسى -عليه السلام- فالسلام منه على نفسه، وهو بشر له حدود معينة، فلابد أن يكون سلامه مقصوراً ومحدوداً وهذا ما يقوم به التعريف.

ثانياً: التعريف
لك في تعريف الكلمة طرق كثيرة تختلف حسب مقتضيات الكلام، فمن ذلك:
1- التعريف بالضمير
وهو يختلف حسب نوعه من متكلم إلى مخاطب إلى غائب، ويُلجأ إليه في مقامات الاختصار والإيجاز والفخر، وأحياناً يكون أكثر تعريفاً من غيره، مثل أن يكون المتحدث حاضراً ويتحدث عن نفسه، فلو ذكر اسمه العَلَم لربما أوهم أن غيره من يتكلم، لكن الأولى هنا التعريف بالضمير، وينجلي ذلك عند الفخر مثل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد ولد آدم يوم القيامة، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع وأول مشفع" [رواه مسلم]، وقول المتنبي:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي *** وأسمعت كلماتي من به صمم
وقول الحجاج:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا *** متى أضع العمامة تعرفوني
وقول المهاجرين والأنصار يوم حفر الخندق:
نحن الذين بايعوا محمداً *** على الإسلام ما بقينا ابداً

ولكن لا بد من الحذر عند استخدام ضمائر المتكلم، لأن الإكثار منها يجعل الكلام ممجوجاً، والمتكلم مكروهاً عند سامعيه، أو القارئين له، وخصوصاً إذا كان ذلك على سبيل التعالي، قال ابن القيم رحمه الله: "وليحذر كل الحذر من طغيان (أنا) و(لي) و(عندي)، فإن هذه الألفاظ الثلاثة ابتلي بها إبليس وفرعون وقارون ﴿أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ﴾(4) لإبليس، و﴿لِي مُلْكُ مِصْرَ﴾(5) لفرعون، و﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾(6) لقارون، وأحسن ما وضعت (أنا) في قول العبد: أنا العبد المذنب المخطئ، المستغفر، المعترف، ونحوه، و(لي) في قوله: لي الذنب، ولي الجرم، ولي المسكنة، ولي الفقر والذل، و(عندي) في قوله: اغفر لي جِدِّي وهزلي، وخطئي وعمدي، وكل ذلك عندي"(7).
والتعريف بضمائر الخطاب له مكانه، وكذلك التكلم، وكذلك الغياب، ومما يحسن مراعاته، أنه عند الحديث مع مخاطبين في موضوع فيه ذم أو قدح؛ فيستحسن البعد عن المخاطبة، لما فيها من التجريح والإيلام، والأولى هنا استخدام ضمائر التكلم العامة، ليكون المتكلم من ضمن المعنيين بالحديث، وأما في مواطن المدح والإطراء، فيبتعد الإنسان عن التكلم، ويمكن أن يستخدِم المخاطبة.
2- التعريف بالموصول
وهو نوعان رئيسان :
أ – عام مشترك، وهو (مَنْ وما).
ب- خاص، وهو (الذي) وأخواتها.
ويُلجأ إلى التعريف به (أي إلى الموصول) لبيان قوة اتصاف المعرَّف به بما وقع في حيز الصفة، ولإمكان إجراء الأوصاف من مدح وقدح على المراد تعريفه، قال تعالى: ﴿وَرَاوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا﴾ [يوسف: 23]، فالتعريف بالموصول (التي) دون الاسم (زليخا)، ودون الإضافة (امرأة العزيز) لما في التعريف بالصلة من إمكانية إجراء الأوصاف الذامة لهذه المرأة، فعرفنا بالتعريف بالموصول أن المراوَد وهو يوسف كان في بيت المرأة، وأن موضع المراودة هو بيتها، والمفترض في مثلها وهي السيدة وهو المأمور عندها أن لا ترغب في مثله، وهكذا نلحظ كيف أسهم التعريف بالموصول في الإيحاء بكل هذه المعاني، ولو جاء التعريف بالعلمية أو الإضافة لما عرفنا كل ذلك.
3- التعريف بالإشارة
الإشارة تكون بـ(هذا وأخواتها)، فـ(الهاء) للتنبيه و(ذا) للإشارة، ولك أن تقول: (ذاك) و(ذلك)، ففي الإشارة إلى القريب تقول: (ذاك)، وللبعيد تقول: (ذلك)؛ لأن اللام للبعد، وتذكر (ذلك) في التعريف لقصد تعظيم المكانة ورفعة المنزلة، وذلك كقوله تعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ﴾ [البقرة: 2]، وأيضاً نجد التعريف بالإشارة يكثر لقصد التحديد الدقيق كقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا﴾ [التوبة: 28]، فالتعريف بـ(هذا) لتحديد العام المقصود وليس هناك شيء أكثر تحديداً من اسم الإشارة في مثل هذا المقام.
4- التعريف بالعَلَمية
ويحسن التعريف بالعلمية (الاسم)، عند غياب شخص المعرَّف، وأما عند حضوره فالضمير والإشارة أولى في أكثر الأحوال، وتأمل معي هذه الحادثة وانظر إلى أثر نوع التعريف فيها، يقول جابر رضي الله عنه: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في دَين كان على أبي فدققت الباب فقال: "من ذا"؟ فقلت: أنا، فقال: "أنا أنا"! كأنه كرهها" [رواه مسلم].
فنلحظ كيف أن النبي كره تعريف جابر نفسه بالضمير (أنا)، لأن هذه اللفظة (أنا) لا تعرّف بالمستأذن، كما يقول النووي، وكان التعريف بالعلم هنا أولى، يقول العيني: "قوله: (أنا) لا يتضمن الجواب، ولا يفيد العلم بما استعلمه، وكان حق الجواب أن يقول: (أنا جابر) ليقع تعريف الاسم الذي وقعت المسألة عنه، وقد أخرج المصنف في الأدب المفرد وصححه الحاكم من حديث بريدة أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى المسجد وأبو موسى يقرأ قال: فجئت فقال: من هذا؟ قلت: أنا بريدة"، وهكذا يتضح أن التعريف بـ(أنا) مع غياب المتكلم بها، بسبب حاجز كباب ونحوه، أو بعد مسافة كحالة الهواتف في زماننا، لا يحسن لأنه لا يؤدي المراد من التعريف، ويكون الأولى هنا هو التعريف بالعَلَم لأنه المميز للمعرَّف أكمل تمييز.
وقد يراد من التعريف بالعَلَمية –أحياناً- التعظيم والمدح كقوله تعالى عن نبيه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ﴾ [الفتح: 29]، فالمقام هنا للمدح والتمييز، وقد يكون المراد عكس ذلك، كما نقول: الكذّاب هو مسيلمة، فذكر العَلَم هنا فيه مزيد ذم، لارتباط العلم بما يذم.
ولابن عاشور كلام لطيف عن تعريف النبي صلى الله عليه وسلم بالوصف دون العَلَمية أنقله هنا للفائدة، يقول: "نداء النبي عليه الصلاة والسلام بوصف النبوة دون اسمه العلم تشريف له بفضل هذا الوصف، ليربأ بمقامه عن أن يخاطب بمثل ما يخاطب به غيره، ولذلك لم يُنادَ في القرآن بغير (يا أيها النبي) أو (يا أيها الرسول)، بخلاف الإخبار عنه، فقد يجيء بهذا الوصف كقوله: ﴿يَوْمَ لاَ يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ﴾ [التحريم: 8] ﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ﴾ ﴿قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ﴾ [الأنفال: 1] ﴿النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ [الأحزاب: 6]، ويجيء باسمه العلم كقوله: ﴿مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ﴾ [الأحزاب: 40]، وقد يتعين إجراء العَلَم ليوصف بعده بالرسالة كقوله تعالى: ﴿مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ﴾ [الفتح: 29] وقوله ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ﴾ [آل عمران: 144]، وتلك مقامات يقصد فيها تعليم الناس، بأن صاحب ذلك الاسم هو رسول الله، أو تلقين لهم بأن يسموه بذلك ويدعوه به، فإن عِلْم أسمائه من الإيمان لئلا يلتبس بغيره، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لي خمسة أسماء: أنا محمد، وأنا أحمد، وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب" [ البخاري ومسلم] تعليماً للأمة.
5- التعريف بأل
وهي أنواع ومن أهمها (أل) التي للعهد والتي للجنس، وتذكر الأولى إذا كان قد سبق الكلام عن المعرَّف، وعلى ذلك يكون حاضراً في الذهن، لذا قالوا عنها : إنها للعهد الذكري أو الذهني، أما الثانية فتذكر لقصد التعميم والشمول والاستغراق.
مثال الأولى قولك لصاحبك: أرسل لي الكتاب، وقد سبق بينكما حديث أو اهتمام أو اشتغال بكتاب معين، وما يزال شأن هذا الكتاب ماثلاً في الذهن، عندها لن تتردد في معرفة مراد صاحبك، فتُرسل له كتاباً محددّاً رغم كثرة الكتب، فأفاد التعريف بـ(أل) هنا تحديد ذلك الكتاب دون غيره.
ومن شواهد هذه اللام قوله تعالى: ﴿هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ﴾ [آل عمران: 7]، فالكتاب هنا هو القرآن، واللام فيه للعهد.
وقوله تعالى: ﴿وَلَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ﴾ [الأعراف: 154]، فالتعريف في الألواح للعهد الذهني والذكري، لأنه سبق ذكرها من قبل.
وأما (أل) التي للجنس، فإنها تُذكر إذا أريد الاستغراق الكامل لأفراد الجنس، مثل قوله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ* إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾ [العصر: 1، 2]، فـ(الإنسان) هنا معرَّف بـ(أل)، والمقصود استغراق الجنس الإنساني كله، وهذا أقوى من لو قيل بالجمع: (إن الناس لفي خسر)، وذلك لأن الجمع قد يراد منه الأكثر أو الأغلب، أو نوع معين أو جهة خاصة، فيخرج من بسبب ذلك بعض الأفراد، وأما (أل) التي للجنس فلا يخرج منها شيء، إضافة إلى ما في بقاء اللفظ معها مفرداً من الإشعار بالمسؤولية الفردية، فمن يسمع الآية السابقة، يشعر كأنه المخاطب الوحيد بها، بسبب الإفراد فيكون أكثر تحسساً للتَّبِعَة والمسؤولية، وأما مع الجمع فقد تذهب تلك الحساسية لعدم توجه الخطاب إلى المتلقي لكونه فرداً محدداً مقصوداً، ولهذا نجد الجمع نفسه إذا أريد له الشيوع الكامل تجيء معه (ال) التي للجنس، مثل قوله تعالى: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ﴾ [الناس: 1].
ومن الشواهد التي يختلف فيها المعنى باختلاف نوع اللام ما يأتي: قال تعالى: ﴿وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا﴾ [البقرة: 60]
فـ(الحجر) هنا يحتمل أن يكون حجراً معيّناً فتكون اللام للعهد، ويحتمل أن لايكون معينا، فتكون للجنس وهو أظهر في المعجزة وأقوى للحجة.


___________
تدريبات:
بيّن سر التنكير والتعريف فيما يأتي:
1. ﴿يجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ﴾ [المائدة: 54].
2. ﴿أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة: 5].
3. ﴿اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا﴾ [يوسف: 9].
4. ﴿الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر: 1].
5. ﴿طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ وَكِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [النمل : 1]
6. ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ﴾ [البقرة: 185].
7. ﴿وَلَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ﴾ [الأنبياء : 46].


_______________________
(1) انظر: الكشاف - (4 / 776).
(2) دلائل الإعجاز للجرجاني - (1 / 85).
(3) انظر: فتح القدير - (3 / 478).
(4) [الأعراف: 12].
(5) [الزخرف: 51].
(6) [القصص: 78].
(7) زاد المعاد - (2 / 434).

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 1401



خدمات المحتوى


تقييم
0.00/10 (0 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس