تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
01-25-1433 07:14 PM

image



الخبر والإنشاء

ينقسم كلام العرب إلى قسمين: خبر وإنشاء.
أولاً: الخبر
تعريفه: هو الكلام الذي يحتمل الصدق أو الكذب لذاته، مثال ذلك: (سيف الله المسلول هو خالد بن الوليد)، للمؤمنين الجنة، وللكافرين النار.
ويظهر من الأمثلة السابقة أن القائل صادق، لذا فكلامه موصوف بالصدق، وبهذا فهو خبر، ولو قلنا: (المطر نازل)، فخرجنا فلم نجد شيئاً، فيكون الخبر كاذباً، وبهذا نعلم أن هذه الأمثلة كلها من باب الخبر لا الإنشاء.
أما قولنا: (لذاته) فحتى ينصرف التكذيب أو التصديق لذات الخبر بغض النظر عن المخبر، وبذا تخرج الأخبار الصادقة قطعاً كالقرآن وصحيح السنة، والأخبار المكذوبة قطعاً كقرآن مسيلمة وأحاديث الوضاعين، لكن لو قلتَ لصاحب أو زميل: يا محمدُ اشترِ لي قلماً أو بعتك السيارة، فهنا لا نستطيع أن نقول: صدقت أو كذبت، فدل هذا على أن الكلام المذكور ليس خبراً بل هو إنشاء، وهو مالا يحتمل الصدق أو الكذب لذاته، وهو يشمل ما يأتي: الأمر، والنهي، والاستفهام، والتمني، والنداء.
وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله .


أغراض الخبر:

نحتاج في موضوع الخبر أن نعرف ما يأتي: أغراض الخبر، أضرب الخبر، مؤكدات الخبر.
أغراض الخبر:
لأي خبر نخبر به غرضان رئيسان هما: فائدة الخبر، ولازم الفائدة.
فأما فائدة الخبر، فتعني الخبر نفسه، تعني المعلومة التي يستفيدها المتلقي.
ويكون ذلك إذا كان المخاطب يجهل مضمون ذلك الخبر، فإذا قلت لزميلك مبشرًا: ظهرت نتائج الامتحان، أو قلت له: انتصر المسلمون في غزة، فيكون الغرض من حديثك هذا هو إيصال مضمون الخبر للمتلقي؛ لجهله بالخبر كله.

وأما لازم الفائدة فتعني: أنّ المتلقي لن يستفيد معلومة جديدة، بل يلزم من تلقيه ذلك الخبر أن يستفيد شيئاً آخر، يترتب على ما تلقاه.
وذلك عندما يكون المخاطب عالماً بمضمون الخبر، فلا يضيف له ذلك الخبر معلومة جديدة، بل أحياناً يكون المخاطب أكثر معرفة بمضمون الخبر من المتكلم، كقولك لصاحبك على سبيل الإخبار لا السؤال: اسمك محمد، أو قولك: أنت قدمت من السفر أمس، أو: قولك (أنت تدرس في جامعة تبوك)، فكل هذه المعلومات والأخبار لا يجهلها المخاطب بل هي معلومة له، فما فائدة الإخبار بها إذاً؟ وما هدف المتكلم منها؟
الغرض هو ما يكتشفه المخاطب من طريقة حديثك، والحال التي تحيط بالمقال، فقد يراد منها أحياناً التهديد، وأحياناً يراد التعريف والقرب كقولك لرجل ترغب في التعرف عليه: أنت فلان ابن فلان، وأحياناً يراد جَرّ المتهم إلى الاعتراف كما هو حاصل في التحقيق مع المجرمين، وأحياناً تراد أغراض أخرى يصعب حصرها.
هذان هما الغرضان الرئيسان، أما الأغراض الفرعية فهي كثيرة، وتتبين من خلال السياق ومنها:
1- إظهار التحسر: كقول أم مريم: ﴿رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى﴾ [آل عمران: 36]، فمن المقرر أن مريم لم ترد مضمون الخبر؛ وهو إخبار الله سبحانه بأنها وضعت أنثى؛ لأن المخاطب وهو الله عز وجل عالم بذلك، ولم تقصد أيضاً لازم الفائدة ؛ لأن الله عز وجل يعلم أنها عالمة، ولكن فائدة كلامها هو إظهار التحسر والتأسف على أنها كانت تريده ذكراً لا أنثى حتى يخدم بيت المقدس كما نذرت، فلما جاءت أنثى أصابها الحزن ؛ لأنها لن تستطيع أن تقوم بما يقوم به الذكر، ومرد ذلك كله حرصها على الخير.
ومن هذا القبيل قول لبيد:

ذهب الذين يعاش في أكنافهم *** وبقيت في خَلْف كجلدِ الأجربِ

فهو يتحسر على زمان مضى بسبب ما يرى من فساد في زمانه.
2- إظهار الضعف: ومنه ما جاء على لسان موسى عليه السلام: ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾ [القصص: 24]، وذلك بعدما ظهرت قوته في قضائه على الرجل بوكزه له، وبرفعه غطاء البئر، بعد هذا كله قال ذلك اعترافاً بضعفه، وإظهاراً لحاجته إلى ربه.
وقول زكريا عليه السلام: ﴿رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾ [مريم: 4]، قال ذلك بعدما تقدم به السن وأيس من الولد، لكن الرجاء في الله عظيم، فما زال يدعو ربه، ويظهر ضعفه، بمثل هذه الآية حتى استجاب له سبحانه، فزكريا عليه السلام لا يخبر ربه هنا لأجل فائدة الخبر؛ لأنه العليم الخبير سبحانه، لكنها شكوى العبد الضعيف إلى مولاه، ليرحمه ويعطيه سؤله.
3- الوعظ والإرشاد: ومنه قوله تعالى: ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: 185]، فهنا لا يستفيد المستمع مضمون الخبر، لأنه لاينكر وقوع الموت أحد، فدل هذا على أن الخبر له غرض آخر وهو الوعظ، لذا كان مراد مَنْ يذكر هذه الآية في خطبة أو موعظة هو ترقيق القلوب، والتذكير بالمصير المعروف ليتعظ الناس.
وهناك أغراض أخرى كثيرة للأخبار التي نخبر بها تفهم من السياق مثل: المدح، والفخر، والعتب، والاعتذار، وغيرها.


أضْرُب الخبر:

الضرب هو: النوع، والأضرب: الأنواع.
من المعلوم أنّ الكلام المُتلقَى لابد أن يكون ملائماً للغرض مناسباً للحال، فليس من البلاغة أن تأتي إلى رجل خالي الذهن من الخبر عن (نجاح أخيه)، وهو أيضاً غير شاك في قدرة أخيه على النجاح، ثم تقول له من أول لحظة: والله إن أخاك لناجح، لا شك أنك إن فعلت ذلك معه سيستغرب هذا النمط من الكلام، وبدل أن تؤكد له الخبر سببت له شكّاً فيه؛ لأنك حلفت وأكدت في غير موطن التأكيد والحلف، بل إنه ربما سألك عن سبب هذا الحلف، وليس من البلاغة أيضاً أن تصادف رجلا مُسْلِماً ولو بالاسم ثم هو لا يصلي، وينكر –علناً- فرضية الصلاة وعدم وجوبها وأنه لا دليل عليها، ليس من البلاغة هنا أن تخاطبه بقولك: الصلاة واجبة، بل الصحيح أن تقول للأول (الخالي الذهن): (أخوك ناجح) بلا تأكيد، وتقول للثاني وهو المنكر: (والله إن الصلاة واجبة)، وبهذا نعلم أن نوع الكلام يتغير بتغير حالة المخاطب؛ ولهذا كان الخبر بحسب حال المخاطب على ثلاثة أنواع هي: ابتدائي، وطلبي، وإنكاري.
أولاً: الابتدائي، وهو الخبر الموجه لمخاطب خالي الذهن، فهنا يوجه الكلام إليه خالياً من كل مؤكد متناسباً مع خلو ذهنه من الخبر.
ثانياً: الطلبي، وهو الخبر الموجه لمخاطب شاك أو متردد، فهنا يستحسن تأكيد الكلام له بمؤكد واحد، لإزالة تردده وشكه.
ثالثاً: الإنكاري، وهو الخبر الموجه لمخاطب منكر أو مكذب، فهنا لابد من توكيد الكلام له بأكثر من مؤكد، بحسب قوة الإنكار والتكذيب، وبهذا نعلم أن أضرب الخبر ثلاثة، لكل منها حالة معينة، تستوجب قدراً معيَّناً من التأكيد أو عدمه، ويتضح ذلك من الجدول الآتي:

image


ولتوضيح ذلك نضرب هذا المثال: لو فرضنا أنك تريد إخبار أحد زملائك عن الإعلان عن الاختبارات النهائية، فتقول له في الأحوال العادية: أعلنت الكلية عن الجدول النهائي للاختبارات، فإن رأيت منه تردداً، أو شكاً، بسبب خبر آخر وصله أو غير ذلك، فمن البلاغة أن تنتقل معه إلى النوع الثاني وهو الطلبي فتقول: إن الكلية أعلنت عن الجدول النهائي للاختبارات، فتؤكد له الكلام بـ(إنّ)، فإن وجدت منه تكذيباً لكلامك بأن قال لك: معلوماتك غير صحيحة، وأنا أعلم أنك واهم فيما تقول، فهنا لابد من النوع الثالث: الإنكاري فتقول: إن الكلية قد أعلنت عن الجدول النهائي للاختبارات، فتؤكد له بـ(إنّ وقد)، فإن زاد في الإنكار، زدت معه في المؤكدات فيمكن أن تقول له: والله لقد أعلنت الكلية عن الاختبار، فتؤكد له بـ(إنّ وقد والقسم).
وهذا التنوع في الخبر -بحسب- المخاطب واضح في الأسلوب القرآن، ولعل ذلك يتضح من خلال هذا الشاهد القرآني، قال الله تعالى: ﴿وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ* إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ* قَالُوا مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ* قَالُوا رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ [يس: 13 - 16].
سنقف مع هذه الآيات لننظر في أنواع الخبر الواردة فيها، وكيف ترقى التوكيد مرة بعد مرة، بحسب درجة الإنكار، فنجد الخبر الأول وهو: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ قد جاء ملائماً لرد القوم الذين كذبوا الرسل بدليل قوله تعالى: ﴿فَكَذَّبُوهُمَا﴾، وهو دليل على إنكارهم، فقال الرسل: ﴿إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ﴾ فأكدوا كلامهم بـ(إن) واسمية الجملة، إذ هي تدل على الثبوت، وبالتقديم للجار والمجرور ﴿إِلَيْكُمْ﴾ أي: إليكم خصوصاً، ثم رد الأقوام على الرسل بتكذيب أشد وإنكار أعنف حيث قالوا لهم: ﴿مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا وَمَا أَنْزَلَ الرَّحْمَنُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ﴾، فوصفوهم بعدم الأهلية للرسالة فماهم إلا بشر، وقد شددوا في ذلك كما يدل عليه الحصر بطريق النفي والاستثناء، وأيضاً فقد أنكروا أنهم نُزِّل عليهم من الرحمن شيء، وأمعنوا في ذلك كما يدل عليه دخول الجار (من) على كلمة (شيء) أي جزء من الشيء، ثم نسبوهم إلى الكذب صراحة: فهذه خمسة مظاهر من مظاهر التكذيب جابهوا بها الرسل وردوا بها كلامهم.
وكما نرى هنا فالإنكار قد تنامى وزاد،هذا يحتاج إلى رد مناسب لزيادة هذا الإنكار، فكان أن قالوا: ﴿رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّا إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ﴾ فحشدوا ستة مؤكدات في كلامهم، الأول: إنّ، الثاني: اسمية الجملة، الثالث: التقديم (إليكم)، وهذه قد سبقت من قبل، الرابع: التأكيد بنسبة العلم إلى الله، الخامس: ما يقوم مقام القسم (ربنا)، السادس: اللام في ﴿لَمُرْسَلُونَ﴾.
وهكذا يتبين كيف تغيّر الكلام بتغيّر حال المخاطب، وكيف زادت المؤكدات بزيادة نسبة التكذيب والإنكار، وهكذا ينبغي أن يكون كلامنا.

المؤكدات في كلام العرب:

لابد لدارس البلاغة أن يعرف المؤكدات التي يمكن أن يستخدمها لرد الإنكار أو إزالة الشك والتردد ومن أهم تلك المؤكدات ما يأتي:
أولاً: أدوات التوكيد
1. إنّ وأنّ .
2. لام الابتداء، كقوله تعالى: ﴿لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ﴾ [الحشر : 13].
3. القَسَم، كقوله تعالى: ﴿وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ﴾ [الأنبياء : 57].
4. ضمير الفصل، كقوله تعالى: ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [البقرة : 5].
5. قد إذا دخلت على الماضي، كقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ [المؤمنون : 1].
6. نونا التوكيد، كقوله تعالى: ﴿وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَا آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّنَ الصَّاغِرِينَ﴾ [يوسف: 32].
7. أحرف التنبيه (ألا، أما) كقوله تعالى: ﴿أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ يونس62، وقوله صلى الله عليه وسلم: "يا بني سلمة، ألا تحتسبون آثاركم؟"، قوله صلى الله عليه وسلم: "ألا تعجبون كيف يصرف الله عني شتم قريش ولعنهم، يشتمون مذمماً، ويلعنون مذمماً، وأنا محمد؟".
8. الحروف الزائدة للتوكيد مثل: (مِنْ) (من شيء)، الباء ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ﴾ [فصلت: 46].
9. أسلوب القصر، لأنه توكيد فوق توكيد مثل: ﴿وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ اللَّهُ﴾ [آل عمران: 62]، ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ﴾ [آل عمران: 144].

ثانياً: طرق التوكيد
1. اسمية الجملة.
2. تقديم الفاعل المعنوي.

___________
تدريبات:
بين نوع الخبر فيما يأتي، وبيّن سبب التوكيد وسره، وعين أدوات التوكيد فيه:
‌أ. قال تعالى: ﴿كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعن بِالنَّاصِيَةِ﴾ [العلق: 15].
‌ب. قال تعالى: ﴿أَلاَ إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [البقرة : 13].
‌ج. قال تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ﴾ [المنافقون : 1].



خروج الكلام عن مقتضى الظاهر:

فيما يتعلق بتوكيد الكلام من عدمه، فالأصل أن خالي الذهن لا يؤكد له الكلام، والشاك والمتردد يستحسن أن يؤكد له الكلام بتوكيد واحد، والمنكر يؤكد له بأكثر من مؤكد حتى يزول الإنكار، وقد عرفنا هذا من قبل، لكننا قد نجد كلاماً يخرج عن هذا الأصل، فينـزَّل غيرُ المنكر منـزلة المنكر، أي يعامل معاملته، كما يظهر ذلك في قوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ﴾ [المؤمنون: 15] فنحن نعلم أن الموت لا ينكره أحد ولا يشك فيه، فكيف إذاً يؤكّد الكلام بـ(إن و اللام واسمية الجملة)؟.
الجواب عن ذلك: أن المخاطب (غير المنكر) نُزِّل في هذه الآية (منزلة المنكر) فعومل معاملته فأُكد له الكلام، والسؤال هنا: لماذا كان ذلك؟ الجواب: لأن المراد هو إيقاظ الناس من غفلتهم ؛ لأنهم وإن كانوا لا ينكرون الموت بأقوالهم إلا أن حالهم وتعاملهم، وطول أملهم وفشو الظلم بينهم، يدل على أنهم لا يتذكرون الموت، ولا يشعرون به، فكأنهم بهذا ينكرون وقوعه، لذا حَسُن أن يكون الكلام الموجه إليهم مؤكداً بمؤكدات عدة.
وهناك صورة أخرى وهي: أن ينـزل المخاطب خالي الذهن منـزلة المتردد والشاك، وذلك إذا تقدم في الكلام ما يستدعي التساؤل والاستفهام من المخاطب، كالنهي والأمر، والخبر الغريب، حينها يحسن توكيد الكلام بما يزيل هذا التردد والشك المتوقع عند المخاطب.
قال تعالى في شأن نوح عليه السلام: ﴿وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ﴾ [هود : 37]، فنجد التوكيد في الخبر: (إنهم مغرقون) مع أن نوح عليه السلام خالي الذهن من الكلام الخاص بعقوبة الظالمين، لأن أمر العقوبة إلى الله، لكن لما نهاه الله سبحانه عن المخاطبة بشأنهم، تطلعت نفسه إلى معرفة ما سيؤول إليه أمرهم، فحتى يرتفع ما بنفسه من تساؤل أُكد له الكلام.
ومثل هذا قوله تعالى: ﴿وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لاَ يُعْجِزُونَ﴾ [الأنفال: 59]، حيث كان الكلام السابق للخبر محركاً لسؤال، مفاده: كيف أو لماذا، عندها جاء الخبر مجيباً عن هذا التساؤل فأُكد الكلام بمؤكد واحد.
وهناك صورة ثالثة وهي بعكس ما سبق بمعنى: أن ينـزّل المخاطب المنكر منـزلة غير المنكر فيوجه الكلام إليه دون توكيد، وذلك إذا كان الخبر مما يُعلم ولا يُجهل مثله، ولا يصلح أن يجادل فيه أحد لظهور علاماته وكثرة دلالاته، مثل قوله تعالى مخاطباً المشركين: ﴿وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ﴾ [البقرة : 163] بدون توكيد، مع أن الكفار ينكرون وحدانية الله، لكن لما كانت كل الدلائل تشير إلى ذلك، وأنه سبحانه واحد كان عدم التوكيد هنا أولى، للتدليل بأن ما تنكرونه أظهر من أن يؤكد له الكلام، فقام تظافر الأدلة عليه، وظهورها مقام التوكيد.

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 11774



خدمات المحتوى


تقييم
8.40/10 (24 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس