جديد الفيديو
المتواجدون الآن
| 01-22-1433 10:38 PM
الموضوع الثاني من موضوعات علم البيان هو المجاز.
تعريفه:
المجاز في اللغة : مأخوذ من المجاوزة وهي التعدي والتخطي .
وفي الاصطلاح، هو: استعمال اللفظ في غبر ما وضع له لقرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي، فإذا قلنا مثلا : رأيت أسداً في الغابة فهذا استعمال حقيقي ؛ لأن كلمة (أسد) تدل في هذه الجملة على الحيوان المعروف ، وهذا ما يدل عليه أصل اللغة ولكن لو قلنا : رأيت اليوم أسداً يخطُب ، فهنا يكون استعمال كلمة (أسد) مجازيا ، لأننا نقلنا الكلمة من معناها الأصلي وهو الحيوان المفترس وتجاوزنا بها دلالتها الوضعية وجعلناها للإنسان ، ولما كان هذا المعنى هو غير المعنى الأصلي كان لا بد من قرينة تعرفنا المعنى المقصود ، وتمنع من إرادة المعنى الأصلي ، وتتجلى في مثالنا هذا في كلمة ( يخطُب).
وهذا النوع من المجاز يسمى المجاز اللغوي لأن مرده إلى اللغة ، وفي المثال المذكور نجد أن العلاقة بين الكلمة المنقولة ( أسد ) وبين المعنى المراد وهو ( الرجل الشجاع ) هي المشابهة وهذا ما يسمى بالاستعارة ، ولكن لو قلنا : لمحمد علي يد ، لكان استعمال كلمة ( يد ) مجازيا ، لأن المراد بها هنا النعمة والفضل ، لكننا نتساءل عن العلاقة بين الكلمة المذكورة وهي ( يد ) وبين المعنى المراد وهو ( المعروف )، فنجد هنا أن العلاقة هي غير المشابهة لأن العلاقة التي تربط اليد بالمعروف أنها سببه، لا أنها تشبهه، وما كانت فيه العلاقة غير المشابهة يسمى مجازا مرسلا .
وأما إذا قلنا: بني الأمير المدينة ، فإننا نجد أن إسناد الفعل ( البناء) إلى الأمير لم يجر على الحقيقة؛ لأن الحقيقة أن البنائين هم الذين بنوا ، وأما الأمير فقد أمر بذلك فحسب، وعلى هذا فالكلام مجاز، أي ليس بحقيقة، لكنه يختلف عما سبق في أن كلمة (بنى) وحدها حقيقة، وكذلك كلمة ( الأمير ) فجميع الكلمات مستعملة في معانيها الحقيقة التي تدل عليها اللغة، لذا لم يكن المجاز هنا لغويا، بل له سبب آخر هو الإسناد، ذلك أنه لما أسند البناء إلى الأمير ظهر المجاز.
لهذا فالمجاز هنا في ( الإسناد ) والدليل عليه العقل والواقع، ولهذا نسميه مجازا إسناديا أو عقليا، والتسمية بـ(إسنادي) أدق وأفضل.
وبهذا ندرك أن المجاز نوعان : لغوي وإسنادي (عقلي).
أولاً: المجاز اللغوي يشمل:
أ-استعارة ( إذا كانت العلاقة المشابهة)
ب-مجاز مرسل ( إذا كانت العلاقة غير المشابهة )
ثانياً: المجاز الإسنادي (العقلي).
( وهو ما كان التجوز فيه في الإسناد )
القرآن والمجاز
قبل الدخول في تفصيلات هذا الفن ، سنعرض لموضوع له حساسيته، لاتصاله بالمعتقدات، ولكثرة الكلام فيه، وقد سخرت بعض الفرق القول بالمجاز، لتعطيل أسماء الله وصفاته من معانيها، وتأويل آيات الكتاب العظيم، وصرفها عن وجهها، وقد تعدد الأقوال في هذا الشأن على ثلاثة أقوال :
1- قول المجيزين مطلقاً.
هناك من أطلق القول في المجاز فوسع مجاله حتى أنكر عن طريقه صفات الخالق سبحانه؛ فأدخله فيما ليس له فيه مجال، وليس عنده فيه دليل يصلح قرينه لما يقول .
2- قول المانعين مطلقاً.
هناك من منع المجاز بالكلية، فقال لا مجاز لا في اللغة ولا في القران, وبعضهم قال : بل هو في اللغة دون القرآن وهذا التفريق لا يستقيم، لأن القران نزل بلغة العرب, وإنما فعلوا ذلك احتياطا من تأويل الصفات و تعطيلها , ردا على أصحاب القول السابق.
3- قول المعتدلين.
وهم القائلون بوجود المجاز على أنه أسلوب عربي في القران واللغة، وهو القول الصحيح فالمجاز موجود في اللغة و القرآن، لكن يجب أن نفرق بين ما لعقولنا مجال فيه، وما ليس لها مجال فيه ، وإنما ذكرت العقل؛ لأن الانحراف جاء من القرائن العقلية، لأنه لا ضابط لها.
وبناء على ذلك نقول: إذا كان الكلام بين البشر فيما يفهمونه من بعضهم، فهنا يظهر المجاز ويسهل الحكم عليه، كأن يقول أحدهم لصاحبه: (قلت لقلمي اكتب، فقال لي: لا), فلا شك أن هذا مجاز، لأن القلم لا يتكلم في عرفنا نحن البشر ولا فيما دلت عليه عقولنا بحكم المشاهدة والنظر، لكن إذا سمعنا قول ربنا سبحانه عن السماء والأرض: ( فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها قالتا أتينا طائعين) فلا ينبغي هنا أن ننكر كلام الأرض والسماء مع الله سبحانه بحجة أننا لم نسمع ذلك أو لأنه يستحيل عقلاً, لأن عقولنا تقصر عن ذلك, فالخطاب هنا بين الخالق والمخلوق وهذا لا مجال للعقل فيه، لأن الله تعالى قال: (وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم) فبين سبحانه أن المخلوقات والجمادات وكل الأحياء تعبد الله ونحن لا ندرك من ذلك شيئا لا بعقولنا ولا بحواسنا فكيف بعد هذا نقول: هذا لا يُعقل، ونلجأ إلى المجاز الذي يتناقض مع الإشعار بعظمة الله، فأيهما أظهر في القدرة الربانية أن تتكلم السماء والأرض أم أن نسلبها ذلك؟ لا شك أن الحقيقة هنا أعظم في تصوير العظمة اللائقة بالخالق سبحانه.
وإليك بعضاً مما كان القول فيه بالمجاز سبباً لإضعاف المعنى.
قال تعالى: (فهو في عيشة راضية)، قالوا في المراد عيشة (مرضية) فـ(راضية) مجاز عقلي- على ما سيأتي- حيث عبر باسم الفاعل وأريد اسم المفعول، على سبيل المجاز، فالعلاقة المفعولية وإنما قيل (راضية) للتدليل على عظم تلك العيشة التي بلغ من عظم نعيمها أنها توصف بأنها ترضى فكيف إذاً بمن يعيش فيها.
وإنني أقول ولم لا تكون هذه اللفظة على الحقيقية، لأن الكلام عما في الآخرة، وليس هناك سبيل لمعرفة حقيقية ذلك إلا النقل، وليس ذلك بعظيم على الله أن يجعل العيشة ترضى هي, وهذا أعظم في النعيم، خصوصا إذا علمنا أن الطعام إذا اشتهاه المؤمن يوم القيامة تدلى له وهو في مكانه، فالآخرة فيها ما ليس في الدنيا مما يعرف الناس ويعقلون.
وقال تعالى: ( فلينظر الإنسان مم خلق , خلق من ماء دافق )، قالوا أي (مدفوق) لأن الذي يدفق ذلك الماء على الحقيقة هو الإنسان , فهو مجاز علاقته مفعولية.
لكننا نقول: ليس هناك ما يمنع أن تكون الكلمة على حقيقتها, بل هو الأفضل، وهذا من ألوان الإعجاز القرآني, لأنه ثبت مجهريا بالنظر أن الدفقة التي تخرج من الرجل حاملة ملايين الحيوانات المنوية تتحرك بذاتها، لأنها كائنات حية وتستمر في التسابق إلى الرحم فهي في الحقيقة تدفع نفسها لا الرجل يدفعها، و هذا أمر لم يعلم إلا في الأزمنة المتأخرة وهذا يدلنا على أن كلمات القران الأصل فيها أن تكون على ظاهرها، ولا يصار إلى غير ذلك إلا بقرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي كما هو تعريف المجاز.
وقال تعالى: (وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجاباً مستورا)، قالوا أي: (ساترا) , فهو مجاز عقلي مثل الشواهد السابقة وعلاقته الفاعلية.
ونحن نقول لم لا تبقى الكلمة على حقيقتها؛ فمدلولها حينئذ أقوى وأدق، لأن الحجاب الذي بين المؤمن قارئ القران وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة لا يرى بالعين فهو في الحقيقة مستور عن الناس, ومع هذا يمنع الله به الضرر فهو أعظم دلالة على قدرة الله، فـ(مستور) أدق في الدلالة على المراد من (ساتر).
وتأمل قوله تعالى عن النار: (سمعوا لها شهيقاً وهي تفور تكاد تميز من الغيظ), فقد ذكر البلاغيون أن نسبة الشهيق والتميز إلى النار مجاز, لأن الشهيق من صفات الأحياء والنار بزعمهم لا حياة فيها, وهذا زعم باطل لعدم الدليل على ذلك, فالنار من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله والصحيح أنها حقيقة والنار فيها حياة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم: (يخرج عنق من النار يوم القيامة لها عينان تبصران و أذنان تسمعان و لسان ينطق يقول : إني وكلت بثلاثة : بكل جبار عنيد و بكل من دعا مع الله إلها آخر و بالمصورين).
إذاً فما ينسب إلى النار ينبغي أن يجرى على ظاهره، ومن ذلك كل صفات الله تعالى فإنه لا دخل للعقل في الحكم عليها، بل يجب أن نثبتها كما ذكرها الله فإذا وصف الله نفسه سبحانه بالمجيء فنثبت المجيء له على ما يليق بجلاله وعظمته، كما قال تعالى: (وجاء ربك والملك صفا صفا) ولا نقول المراد: جاء أمرك ربك، وكذلك صفة اليد والعين و الغضب كلها نثبتها لله لأنه وصف نفسه بها سبحانه على الوجه اللائق به جلت قدرته.
وبهذا يثبت أن ما قاله الله أو ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم مما هو فوق مدارك عقولنا، فيجب أن يجري في الأصل على حقيقته, ولا ندخله في باب المجاز, لعدم الدليل المانع من المعنى الحقيقي.
|
خدمات المحتوى
| تقييم
|
|
|
Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0 Copyright© Dimensions Of Information Inc.
Copyright © 1446 alatwi.net - All rights reserved
جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.
الرئيسية
|الصور
|المقالات
|الأخبار
|الفيديو
|الصوتيات
|راسلنا | للأعلى
لتصفح أفضل:
استخدم موزيلا فايرفوكس
|
|