تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
المقالات
تدبر القرآن
أهل الاحتساب (2)
أهل الاحتساب (2)
01-09-1433 09:59 PM


أهل الاحتساب(2)

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وبعد:
سيكون حديثنا مستمراً عن قول الحق تبارك وتعالى فيما يخص المحتسبين ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وكنا قد توقفنا في اللقاء الماضي عند المهمات والوظائف المناطةِ بهذا المرفق الحيوي، وهي الدعوة إلى الخير، والأمر بالمعروف، والنهيُ عن المنكر، وقد توقفنا عند (خامساً) في لقائنا الماضي، والآن نستأنف هذه الوقفات، ووقفتنا هذه ستكون مع (سادساً) وهي عند قوله تعالى: ﴿ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ﴾، نجد إذا تأملنا هذه الصفة الأولى ﴿يدعون إلى الخير﴾ لهذه الفئة المشرفة بهذه الشعيرة نجدهم يدعون إلى الخير، وهي التي أيضاً تمثل الخطوة الأولى في المهمات المناطة بهذه الفئة المختارة، وهذه الخطوة وهي الدعوة إلى الخير لو تأملناها لوجدنا أنها ترسخ هذا العمل الجليل، وهو الاحتساب، لماذا؟، لأنَّ الدعوة إلى الخير أمرٌ مقبول عند الناس، بل هو محبب إلى النفس، بل الكل يميل إلى المشاركة فيه، وقد قيل: إن حب المشاركة في الخير من غريزة البشر، لذا تجد الصبي إذا رأى شيئاً يعجبه نادى من حوله ليراه معه، وفي تقديم هذه المهمة ﴿يدعون إلى الخير﴾ على غيرها ملمحٌ لطيف يتعلق بنوعية الأسلوب الذي ينبغي اتباعه في التعامل مع الناس، لكسب قلوبهم، ألا وهو الإحسان إليهم بدعوتهم إلى الخير، ولا يخفى أنَّ كلمة الخير لفظة جميلة، مأنوسةٌ عند كل الناس، توحي بالنفع والإحسان، والإنسان بطبعه مَيَّال إلى حب من أحسن إليه، وتعدية الفعل بـ﴿إلى﴾ الدالة على انتهاء الغاية دون اللام، بأنْ يقال مثلاً: يدعون للخير، للإشعار بأن مراد هذه الفئة الطيبة المحسنة هو الأخذ بأيدي الناس المحتاجين لذلك الخير، لإيصالهم إليه، فهم لا يكتفون بالدعوة لمجرد الخير، وإلا لقيل: يدعون للخير، بل همهم الوصول بالناس إليه، كما تشعر بذلك (إلى) الدالة على انتهاء الغاية، وهذا أوضح في دلالة النفع والإحسان، وهو معنى لطيف، يحسن بأهل الاحتساب الانتباه إليه.

سابعاً: في قوله تعالى: ﴿ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ بيان للمهمة الثانية، وهي تمثل أيضاً الخطوة الثانية، وإنما ذكرت هنا بعد الدعوة إلى الخير لأنَّه لمَّا كان الأمر (تأمرون) فيه ثقل الإلزام، سُبِقَ بما يخففه، ويجعلهُ مقبولاً، وهو بلسم الإحسان ﴿يَدْعُونَ إِلَى الخَيْرِ﴾، وهذا يدل على أنَّ الذي ينبغي أن يُعرف عن القائمين بهذه الشعيرة ليس هو الإلزام، والأمر، والمنع، والنهي فحسب، بل هم قبل ذلك يجب أن يعرفوا بالكلمة اللينة والنفع العام للناس، ولذلك أرى في اجتماع هذه المهمات وبهذا الترتيب ما يوحي بضرورة اجتماع الدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في جهاز واحد، لا كما هو موجود الآن؛ لأنَّ نظرة الناس الآن للدعاة ليست كنظرتهم للمحتسبين، فالدعاة لو تأملنا نجدهم مقبولين محبوبين عند الناس، يجتمع لهم الناس، ويأنسون بهم، ويتقبلون أمرهم ونهيهم، والقائمين بهذه الشعيرة في الغالب يكثر ذمهم، وتنفر منهم النفوس، أو تحاك حولهم الشائعات والأكاذيب، وقد يكون هذا أمراً طبعياً؛ لأنَّ النفوس ميَّالةٌ إلى كره مَنْ يلزمها أو يمنعها، وحب من ينفعها ويحسُن إليها، لكن يحسن ألاَّ نُهمل هذا الملمح وأنْ نتنبه إليه، والذي أريد الوصول إليه هو ضرورة التفكير في الإفادة من هذا القبول للدعاة، لتخفيف هذا الكره والنفرة الموجودة، خاصة مع هذا الترتيب الإلهي لمهمات هذه الفئة الخيّرة، رفع الله قدرها، ولعل هذا يظهر بوضوح إذا اجتمعت الدعوة والاحتساب في شخصية رجل واحد، معروف بعلمه، وصلاحه، وحبه لنفع الناس، ودعوته إليهم، فإنَّ الاستجابة لذلك الإنسان ستكون عظيمة جداً، بخلاف ما يحصل مع الفصل الذي نراه الآن من الدعوة والاحتساب، وأرى أن تقدم الدعوة إلى الخير، على الأمر بالمعروف، يشعر بأنَّ لغة الأمر يجب أن تكون مقبولة ليِّنة؛ لتتناسب مع السياق المبني على كسب القلوب، لا تنفيرها، وتعدية الفعل (يأمرون) بحرف الجر الباء، الدال على الإلصاق والمصاحبة في أصل معناه ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ﴾، يشعر بأن الذي ينبغي أن يصاحب أمرهم هو المعروف، وهذا يتطلب على المحافظة على نقاوة هذا المعروف وصفائه من أي شائبة، حتى لا يتحول الأمر إلى غير المعروف، ولفظ (المعروف) زيادة على معناه المفهوم من لفظه يشير إلى ما يعرفه الناس، كما أن المنكر يشير إلى ما أنكره الناس، وما لم يعرفوه، وعلى هذا لو تأملنا أخطاء الناس، سواء أكان هذا في ترك الخير أو أم كان في فعل الشر، لوجدنا أنه لا يخرج عن إحدى حالتين ، إمَّا أنْ يكون صاحبه جاهلاً بهذا الخير، أو ذلك الشر، وهنا تأتي خطوة يدعون إلى الخير، فإذا عرف الناس ذلك، ولم يفعلوه، أو ارتكبوا المنكر، جاء أمرهم بما يعرفون، أو نهيهم عما ينكر، وهذا يشير بدوره إلى أنَّ المعروف في أصل المجتمع المسلم هو الأمر السائد، وأنَّ الخروج عليه يعتبر أمراً منكراً، أي: غير مألوف، وإذا كانت الحالة بهذه المثابة، سهل على القائمين على هذه الشعيرة إقامة هذه الشعيرة، لأنَّ الكل يساندهم في ذلك، أما إذا اختلف الأمر فأصبح المعروف منكراً، والعكس، فأرى أنَّ دلالة الآية تشير إلى ضرورة التعليم والدعوة إلى الخير، وهي الخطوة الأولى، حتى يظهر عرف المعروف، ونكران المنكر، ثم تليها خطوة الأمر والنهي، هذا في الجملة، وخروج بعض الحالات المقتضية لغير ذلك لا ينقض عموم القاعدة.

ثامناً: قوله تعالى: ﴿وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ﴾، هذه هي المهمة الثالثة، وهي تمثل الخطوة الثالثة، ونلاحظ هنا - أيها الأخ الكريم - كيف تأخر النهي عن المنكر؛ لأنَّه أشقُّ على النفس، وقد سبقته خطوتان مهمتان تسهّلان قبوله، وربما لا يبقى في المجتمع أو في الجهة المطلوب الاحتساب عليها شيء من ذلك بعد الدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف، وإن بقيَ كان النهي عنه مقبولاً ومسوغاً، بل قد يكون ضرورياً وما يشعر بضرورة إزالة المنكر في هذه المرحلة، تعدية الفعل بحرف الجر (عن)، لأنَّه يدل على المجاوزة، فالمطلوب بعد هاتين الخطوتين السابقين، هو الاستمرار في النهي ، أي: نهي المُصِرِّّين على المنكر، حتى يتركوه ويتجاوزوه.

تاسعاً: يقول الله عز وجل في ختام هذه الآية في الثناء على القائمين بهذه الشعيرة: ﴿وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وفي التعقيب بهذه الجملة إشادة عظيمة بهذه الفئة المختارة، وذلك من وجوه عدة، وهي:

(1) مجيء (الواو) في أول الجملة على سبيل الاتصال، فلم تفصل الجملة فيقال: أولئك هم المفلحون، للدلالة على إنَّ صفة الفلاح التي يسعون إليها، هي جزاءٌ لذلك العمل الجديد.

(2) الإشارة إليهم بالبعيد ﴿أُوْلَـئِكَ﴾ مما يدل على علو مرتبتهم، ورفعة منزلتهم، حتى لكأنهم في مرتفع عال يشار إليهم ويقال: أولئك، ولو كانوا قريبين، لقيل: هؤلاء، فنُزّل علوهم المعنوي منزلة علوهم المادي، لذلك أُشير إليهم بالبعيد، هذا إضافة لما في الإشارة من تحديد المُشار إليه أدق تحديد، وفي هذا تمييز لهم، فجمعت هذه الآية بين الإشادة بهم، ورفع مكانتهم، وبين تمييزهم عن غيرهم، فلله درهم ما أعظم شأنهم.

(3) وجود ضمير الفصل ﴿هُمْ﴾ الدال على الحصر والقصر، إذ المعنى العام للجملة يفهم دون ذكره، أولئك المفلحون، وله نظائر في القرآن، كما في قوله تعالى أولئك المقربون، لكن لَمَّا أُريد تخصيصهم بهذا الفصل، وحصر هذه الصفة العظيمة عليهم، وهي: الفلاح، قيل: ﴿أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، فكأنهم بهذا هم الكاملون الوحيدون في هذه الصفة، وكأنَّ فلاح غيرهم لا يُعتد به مع فلاحهم.

(4) ذكر الفلاح أو صفة الفلاح ﴿المفلحون﴾، وتعريفها باللام، فلم يكن مثلاً: أولئك هم أهل الفلاح، فيكون التعريف بالإضافة، في ذلك من الإشادة بشأنهم وعظم منزلتهم، وما يجب عليهم من العمل مالا يخفى، وذلك لأنَّ أوصلهم إلى هذه الصفة العظيمة؛ وهي الفلاح، الذي يعني: الفوز والنجاح، هو قيامهم بهذا العمل الجليل، وتعريف المفلحين بـ(اللام) للإشعار بما يعرفه كل أحد عن حقيقة الفلاح وأهله، ففلاحهم لن يخفى لا في الدنيا، ولا في الآخرة.



د. عويض العطوي
جامعة تبوك
Dr.ahha1@gmail.com

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 655



خدمات المحتوى


تقييم
1.26/10 (15 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1445 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس