تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
الإنفاق
01-09-1433 09:18 PM



الإنفاق


قال الله تعالى: ﴿مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة : 245 ]

هذه الآية تتحدث عن قضية تتعلق بنوازع النفس نحو جمع المال، ومشقة إنفاقه، لأنه قسيم الروح كما يقال، فلنتأمل كيف جاء الحض على الإنفاق في هذه الآية من صور عدة :

أولاً : بدأت الآية بالسؤال بـ (مَنْ)، المعبر به عن العقلاء، والبدء بالسؤال فيه ميزة التنبيه من جهة، وطلب إجابة المسؤول من جهة أخرى، وليس المراد هنا طلب معلومة، بل المراد هو الحث والحض، وشحذُ الهمم، كقول القائل يستنفر الناس : مَنْ يَصُد عنا العدو، فليس هناك أحد محدد بل هو خطاب عام يستنهض كل الهمم، وهذا المعنى هو ما عناه طرفه بن العبد في قوله :

إذا القوم قالوا : مَنْ فتى خلت أنني * * * عُنيت فلم أكسل ولم أتبلد

يقول ابن القيم رحمه الله: "فصدر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمن معنى الطلب، وهو أبلغ في الطلب من صيغة الأمر، والمعنى هل أحد يبذل هذا القرض"، وهذا ولا شك ألطف من لو قيل : (اقرضوا)، لخلوصه من ثقل الطلب.

ثانياً : في مجيء (ذا) بعد أداة الاستفهام (مَنْ) مع عدم وجود مشار إليه محدد، اهتمام بالفعل الواقع في خير الطلب وهو هنا الإقراض، ومعرفة فاعله مَنْ يكون لدرجة أنه يراد له أن يُبْرزَ حتى يكون ماثلاً للعيان يمكن أن يشار إليه، وفي ذكر اسم الإشارة على هذا المعنى عناية بالإشارة بالمنفق، حتى لكأن هذا المرتقى العظيم لا يصله إلا مَنْ يشار إليه بالبنان، فهل أنت من أولئك أيها المؤمن.

ثالثاً : تعريف المنفق باسم الإشارة أولاً، ثم بالموصول ثانياً : (ذا الذي)، فيه إشعار بالتميز من جهة، وعراقته في هذا العمل الجليل من جهة أخرى، حتى لكأن الوصف المميز له هو إنفاقه في سبيل الله، فهو عندما يُراد أن يعرف ويوصف يقال عنه (الذي يقرض الله قرضاً حسناً).

رابعاً : التعبير بمادة الإقراض في قوله تعالى : (يقرض الله)، فيها ملمح لطيف، لو تأمله المؤمن لبسط يده بالإنفاق، وذلك لما تحمل من دلالات الضمان والخير، يقول ابن القيم رحمه الله: "وسمى الله ذلك بالإنفاق قرضاً حسناً، حثاً للنفوس وبعثاً لها على البذل؛ لأن الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولابد طوعت له نفسه بذله، وسهل عليه إخراجه ".
والملحوظ هنا ما يلقيه لفظ (القرض) في روع الإنسان من ضمان التعويض، ولا يكاد يكون هناك شيء في مقام التعويض والرد كالقرض، إضافة إلى ما فيه من فضيلة العطاء والإنفاق وأحياناً الثناء والشكر، فكل ذلك يحصل للمقرض مع عودة ماله كله إليه خصوصاً إذا كان القرض على مليء قادر.
ومجيء (الإقراض) بالفعل (يقرض)؛ للإشعار بطلب تجدد ذلك، وأن الممدوح في ذلك هو إحداث هذا الفعل الطيب آناً بعد آن.

خامساً : مجيء لفظ الجلالة (الله) في قوله جلت قدرته (يقرض الله)، فيه غاية الطمأنة للمنفق، وضمانُ التعويض له، يقول ابن القيم : "فإن علم [المقرض] أن المستقرض ملئ وفي محسن كان أبلغ في طيب قلبه، وسماحة نفسه [بالإنفاق] "، ولك أن تتفكر أيها المؤمن بربه في حالك وأنت تتعامل مع الله، الذي بيده كل شيء، وهو المتفضل عليك أولاً وآخراً ومع هذا يطلب منك الإنفاق، ويضمنه له على صرر القرض، فكيف بعد هذا تقبض يدك، ألا تستحي من نفسك، وليس المال مالك، بل هو مال الله، فسبحانه ما أكرمه، وما أجل نعمه علينا.

سادساً : في ذكر المفعول المطلق (قرضاً)، تأكيد لمادة الفعل المطلوبة (يقرض)، فهو ليس بعطية ولا هبة لا تعود، بل هو قرض، فكان في ذكر المفعول المطلق تكراراً لمادة الإقراض، مما يحمل تأكيداً لها، لما فيهما كما رأينا من شدة الضمان، وتحقق حصول التعويض.

سابعاً : وصفُ القرض بأنه (حسن) في قوله (قرضاً حسناً)، قيد مهم في نوع الإقراض المطلوب، المقبول عند الله، فليس كل قرض مقبولاً، كما أنه ليس كل إنفاق مقبولاً، يقول ابن القيم "وحيث جاء هذا القرض في القرآن قُيد بكونه (حسناً) وذلك يجمع أموراً ثلاثة أحدها أن يكون من طيب ماله لا من رديئه وخبيثه، الثاني : أن يخرجه طيبةً به نفسه ثابتة عند بذله ابتغاء مرضاة الله، الثالث : ألا يمن به ولا يؤذي، فالأول يتعلق بالمال، والثاني يتعلق بالمنفق بيه وبين الله، والثالث : بينه وبين الآخذ ".

ثامناً : قوله تعالى : (فيضاعفه له) ربط الجملة بالفاء دليل على حصول المضاعفة المحببة للإنسان بسبب الإنفاق كما أن فيها إشعار بسرعة حصول الخلف برجوع المال مع المضاعفة، وفي هذا إزالة لكل عوائق الإنفاق عند الإنسان، إذ عاد إليه ماله، وتضاعف أضعافاً كثيرة ويؤيد جانب الكثرة هذه القراءة الأخرى (فيضعِّفه) بالتشديد، لهذا يقول ابن القيم في هذا المعنى : "فإن علم (أي المقرض) أن المستقرض يتجر له بما أقرضه وينميه له ويثمره حتى يصير أضعافاً مما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح ".

تاسعاً : في التنصيص على المعنى بالمضاعفة بذكر حروف الجر اللام في قوله تعالى (له)، مزيد ضمان وطمأنة، إذ في ذلك إشعار بأن هذه الأضعاف لم تكن للمستقرض بل هي للمقرض، ومردها إليه، كما تشير إلى ذلك دلالة (اللام) التي هي في أصلها للملك والحيازة، والقصد فإذا أدرك المنفق أن المضاعف هو الله، وأنه هو مخصوص بذلك فكيف سيكون نشاطه للنفقة وأنسه بها ؟

عاشراً : (أضعافاً كثيرة)، وهنا ذكر آخر لما تميل إليه نفس صاحب المال بطريق المفعول المطلق (أضعافاً) والمراد هو تأكيد مادة (المضاعفة) المحببة إلى الإنسان في مقابل تأكيد مادة الإقراض (يقرض قرضاً) المشعرة بالضمان فإذا اجتمع للإنسان ضمان مع مضاعفة وعطاء فلن يحجم عن هذا الخير إلا محروم.
ومما يزيد النفس إقبالاً أن جاءت كلمة (أضعافاً) مجموعة دون أن تكون مفردة (ضِعفاً)؛ ليكون العطاء أكثر، بينما جاءت مادة الإقراض مفردة (قرضاً)، ولم تكن (قروضاً)، ليكون الإنفاق أسهل على النفس فما أعظم عطاء الله (قرض) واحد، يجازى به صاحبه (أضعافاً كثيرة) فأين المنفقون وأرباب المال، ألا يثقون بوعود الله ؟.

حادي عشر : في وصف الأضعاف بالكثرة في قوله تعالى : (أضعافاً كثيرة) تهييج لحب النفس للمزيد من التعويض مما يحدوه لمزيد من الإنفاق، ففوق أن تكرار كلمة (أضعافاً)، وكونها مجموعة، تأتي الصفة (كثيرة) لتؤكد معنى الكثرة المحبوبة عند صاحب المال، وفي هذا عناية كبيرة بتحفيز المنفق بذكر ما يحب وهو أسلوب يحسن إتباعه مع الناس فيما يتعلقون به كالمال.

ثاني عشر : في قوله تعالى : (والله يقبض ويبسط) تكرير للفظ الجلالة؛ لزيادة ضمان العطاء، فإن ذلك يقتضي أنه إذا كان هو الذي يعطي ويمنع، فإن الأمر كله إليه، فإذا كان سبحانه هو الضامن، فمم يخاف المنفق؟، مع ما في تقديم لفظ الجلالة وهو الفاعل المعنوي من التأكيد أو الحصر، أي لا قابض ولا باسط سواه.

ثالث عشر : مجيء القبض والبسط بالفعل (يقبض ويبسط)، فيه إشعار بتجدد ذلك، وهذا يتناسب مع عطاء الله للمخلوقين، وكثرة احتياجهم وتنوعه.

رابع عشر : تقديم القبض على البسط (يقبض ويبسط) مع أن الحديث عن الإنفاق فيه تسلية للفقراء، وقليلي المال، وفي هذا شحذ لهممهم للإنفاق ولو من القليل ليتحول فقرهم إلى غنى، وضيقُ حياتهم إلى سعة، فكأنه قيل إن البسط والعطاء يعقب القبض، فيكون في هذا بشارة بتغير أوضاع من كان في حيز الحالة الأولى وهي (القبض) إلى الحالة الثانية وهي البسط، وهذا التوجيه يتناسب مع السياق الوارد في دعم الإنفاق والحث عليه، وفيه ملمح آخر وهو الوعد بالتوسعة لمن أنفق، والوعيد بالتقييد والمنع لمن بخل ومنع.

خامس عشر : ﴿وإليه ترجعون﴾، هنا حث آخر على الإنفاق بذكر مرد الإنسان، وأنه إلي الله الذي أنفق في سبيله وابتغاء مرضاته، كما فيه بيان أن ما أنفقه سيجده أمامه إذا رُدّ إلى ربه، وهذا لون من النفع تنشط مع ذكره النفوس لفعل الخير، فهو يعلم أن ما أنفقه مهما كثر أو قل فهو عند الله، وأنه مردود إليه، ولهذا جاء تقديم الجار والمجرور (إليه) عناية بأمر المردّ والمرجع لما في ذلك من كمال الضمان وقوته، وبهذا اكتمل الضمان في الدنيا والآخرة بكل أدواته ودلائله.

سادس عشر : جاء في آية أخرى في ختامها (وله أجر كريم) وهذا أيضاً من محفزات الآخرة، وهو مما يكنز لصاحبه من الخير وهذا ما توحي به كلمة (أجر) وفي وصفها بالكرم (كريم) ما يزيد رغبة المنفق، وما ألطف مناسبة هذا الوصف لمعنى الآية ومضمونها، حيث قوبل المطلوب وهو (القرض الحسن)، بالعطاء وهو (الأجر الكريم). يقول ابن القيم: "فإن علم المقرض أنه مع ذلك كله يزيده سبحانه من فضله وعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض؛ لأن ذلك الأجر حظ عظيم لا عطاء كريم فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل والشح أو عدم الثقة بالضمان، وذلك من ضعف إيمانه، ولهذا كانت الصدقة برهاناً لصاحبها "، وهذا ما فعله الصحابة رضي الله عنهم من الإنفاق والعطاء، فقد قيل أن أبا الدحداح لما نزلت هذه الآية في سورة البقرة، قال لرسول الله – صلى الله عليه وسلم - : "أو إن الله يريد منا القرض، قال: نعم يا أبا الدحداح، قال أرني يدك فناوله يده، فقال : فإني أقرضت الله حائطاً فيه ستمائة نخلة، فقال – صلى الله عليه وسلم - : "كم من غدق رداح لأبي الدحداح في الجنة".
وفي هذا أعظم دعوة لأهل الثراء والمال، ليتعاملوا مع ربهم وليعبدوا خالقهم بما أعطاهم وأغدق عليهم، فما أظن أحداً سيبخل بعد كل هذه الضمانات إلا لسوء في جبلته وطبعه من البخل والشح أو لضعف في دينه ويقينه، وكل منا حسيب نفسه.



د. عويض بن حمود العطوي
جامعة تبوك
Dr.ahha@gmail.com

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 725



خدمات المحتوى


تقييم
1.25/10 (14 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1445 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس