تابعنا على الفيس بوك تابعنا على تويتر تابعنا على اليوتيوب تابعنا على الساوند كلاود


الرئيسية السيرة الذاتية الخطب الصوتيات المرئيات المقالات و البحوث الدورات الجامعة الصور تدبر القران الإصدارات الشهادات و الدروع المشاركات و الأنشطة

 

 
جديد الفيديو
 

 
المتواجدون الآن

 
المقالات
الخطب
لكم الله يا أهل غزة
لكم الله يا أهل غزة
01-05-1433 07:11 PM



لكم الله يا أهل غزة(1‏)‏


الخطبة الأولى:‏

فمِن أين نبدأ؟ وماذا نقول؟ وعن أي شيء نتحدث؟ إنه ليعجز البيان، وينعقد اللسان؛ عن وصف ‏حال إخواننا في غزة، إنّ الصورة أبلغ من التصوير، وإنّ الألم ليعصر الضمير، إنّ العين ما كانت لتصدق ‏أنْ ترى ما رأت، ولا الأذنَ أنْ تسمع ما سمعت، ولا القلبَ أنْ يتحمل ما جرى.‏
إنّ ما حدث هناك جريمة لا تحتاج أنْ يجمع العالم عليها، ولا أنْ يخرج لها قرار من هيئة الأمم، ولا ‏أنْ تُدعم من أروقة المؤسسات العالمية، إنها جريمة مصوَّرة، موثّقة، بشعة، على مرأى من العالم ومسمع، ‏جريمة لم تقع مصادفة وتنتهي، بل هي مسلسل دموي بشع مستمر، يكشف أكاذيب اليهود، ونقضهم ‏للمواثيق والعهود.‏
إن هذه المجزرة –يا كرام- وإنْ كان وقودها هم إخواننا في غزة، فإنها لا تختلف عن جرائم اليهود ‏على مدى التاريخ، فهم أعظم من أجرى الدماء، واعتدى على الأبرياء، واستباح دماء الأنبياء، فضرب ‏الله عليهم الذلة والمسكنة، قال تعالى: ﴿وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ ‏بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾ [البقرة: 61]، بشرهم القادر بسبب ذلك ‏بالعذاب، فقال سبحانه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ ‏بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ [آل عمران: 21].‏
إنهم -بوعد الله- بين ذلة ومسكنة، وعذاب ومهانة، وسنرى موعودَ الله فيهم عاجلاً غير آجل، ‏فمن سار في هذا الطريق لقي ذلك المصير.‏
معاشر المؤمنين، اليهود لا يحتاجون إلى ذريعة ليريقوا دمًا، أو يستبيحوا عرْضًا، إنّ ذريعتهم معهم ‏حسب ظنهم، إنهم شعب الله المختار كما يزعمون، لذا قتلوا أنبياء الله دون حق، وهل يمكن أنْ يكون ‏قتلُ الأنبياء بحق؛ وهم المرسَلُون من ربِّهم؟ أتدرون كم قتلوا من أنبياء الله؟ روى ابن كثير عن ابن ‏مسعود رضي الله عنه أنهم كانوا يقتلون في اليوم ثلاثمائة نبي، ثم يقيمون سوق بَقْلِهم في آخر النهار، ‏وجمع الكلمة يشير إلى الكثرة ولا شك، فهم لم يقتلوا نبيًا بل أنبياء.‏
معاشر الكرام، اليهود شعب لا يؤمن بالسلام، لا يؤمن بالعهود، لا يؤمن بالمحبّة، إنه شعب ‏عدواني، يحارب بالربا في أسواق المال، ويحارب بالفحشاء والمنكر في أسواق الملذات، ويحارب بالحديد ‏والنار في أسواق القوة والعتاد.‏
اليهود شعبٌ لا يستريح إلا بالدماء والنار، ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ‏اْلأَرْضِ فَسَادًا﴾ [المائدة: 64]، تأمَّل –رعاك الله- إلى كلمة (نارًا)، إنهم يعشقون الحرق والقتل والتدمير، ‏إنهم يوقدون الفتيل، ويأنسون لكثير القتيل.‏
اليهود قومٌ لا يؤمنون إلاّ بالقوة، ولن يُرْدَعوا إلاّ بها ﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ‏مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ﴾ [الأعراف: 167]، إنه وعد الله، الذي لا يتخلف، يقول ابن القيم:" ثم حكم ‏عليهم حكمًا مستمرًا في الذراري والأعقاب، على مر السنين والأحقاب، فقال :"وإذ تأذن ربك ليبعثن ‏عليهم إلى يوم القيامة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب"(2).‏
معاشر الكرام، لقد استحق اليهود كل هذا الوعيد وذلك التهديد، لأنهم حاربوا الله ورسله وعاثوا ‏في الأرض الفساد، إنهم قوم لا يؤمَن لهم جانب، ولا يوثَق لهم بعهد، فعجب لِمَن يُعلَّق على عهودهم ‏الآمال؟ فمنذ أَنْ وعى هذا الجيل وهو يسمع عن محادثات وطاولات، ولكن دون جدوى، سقطت ‏دول وقامت دول؛ وما زال اليهود يعربدون ويظلمون، ويقتلون ويأسرون.‏
إذا كان ذلك هو شأن اليهود ناقضي المواثيق والعهود، فإن ذلك أيضاً شاهد على أنّ ملة الكفر ‏واحدة، وأنّ يدهم واحدة، وهو أيضاً شاهد على الوجه الكالح من مدعي الحضارات، وناصري ‏الإنسان.‏
‏ إنّ ما حدث في غزة لهَو جريمة يشهد بها التاريخ على تواطؤ العالم على الظلم، وعلى انتقاص ‏إنسانية الإنسان، وعلى الانحياز والكيل بأكثر من مكيال.‏
فلو أنّ كلبًا أُسيء إليه، أو عُذِّب أو أُحْرِق في بلاد الحضارة المزعومة؛ لقامت الدنيا ولم تقعد، أمّا ‏شعبٌ يباد، وأمَّةٌ تُستباح؛ فهذا أمرٌ قابل للأخذ والرد، والمداولة والنقاش.‏
قَتْلُ امرئٍ في غابةٍ جريمةٌ لا تُغتَفَر *** وقَتْلُ شعبٍ آمنٍ مسألةٌ فيها نظر
يا قومنا، لا يدري القلب بم يشتغل، ولا عمّ يشتغل، لقد حارت العقول، وذُهِلت النفوس من ‏هول ما رأت وسمعت، فما أنْ تروعك صور الجثث المُلقاة على الأرض بالعشرات، حتى يهزك حال ‏الجرحى وهم في لحظات الموت الأخيرة يستغيثون برب الأرض والسموات، فمِنْ رافع أصبعه يتشهد، ‏ومِنْ جريح في دمائه يتشحط، وآخر يلتقط أنفاسه يتنهد، وما إن يذهب طيف القتلى؛ حتى تهولك ‏صور المساجد وهي تتهاوى، وأشلاء الأطفال وهي تتمزَّق.‏
أين إنسانية الإنسان التي عنها يتحدثون؟ وبها في المحافل يتشدقون؟ أين معاهداتهم ووعودهم؟ لماذا ‏تقصف المساجد والمستشفيات، ما الذي بقي له حرمة عندهم؟ أين دعاة السلام، أين اجتماعاتهم أين ‏قراراتهم، إنهم لمْ يجرؤوا حتى على إنكار هذه المذبحة؛ بل برَّرُوها، فمَنْ بعد هذا يكون مُصَدِّرًا للإرهاب ‏والخوف؟ مَنْ بعد هذا يكون سببًا في نشر الظلم والعداوة؟ مَنْ بعد هذا يستحق العقوبات العسكرية ‏والاقتصادية؟
لِشبهة أو مصلحة تُستباح دولٌ إسلامية بشعوبها، وتحول إلى ساحات حرب ودمار، ويُترك ‏المعتدون المجاهرون المخربون من اليهود الغاصبين يسرحون ويمرحون!‏
أيُّ عدلٍ عنه يتحدثون؟ وأيُّ سلامٍ به يتكلمون؟ أليست سياسات العالم المتحضِّر -كما يزعمون- ‏هي التي نشرت الخوف في أوسع نطاق على هذه الكرة؟ أليسوا هم مَن أوقع أكبر عدد من قتلى ‏الحروب على مدى التاريخ؟
معاشر المؤمنين، إنّ المؤمن لا يعرف ملاذًا عن الشدائد إلا ربّه، إلا خالقه، وإنه لنعمَ المولى ونعم ‏النصير ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ ‏الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران : 173].‏
ويوم تجمّع الأحزاب، وتآلب الأعراب، وتنادى اليهود، وتجمعت الجموع؛ وصف الله حال ‏المؤمنين فقال جلت قدرته﴿وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا﴾ ‏‏[الأحزاب: 10]، ولكن ماذا كان رد المؤمنين، لقد كان ردهم الواثقين بربّهم، المعتمدين على خالقهم قال ‏تعالى:﴿وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا ‏إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا﴾ [الأحزاب: 22].‏
علينا أنْ نثق بموعود علام الغيوب، وألاَّ يتسلل اليأس إلى القلوب، فتلك هزيمة قبل الهزيمة، هذا نوح ‏عليه السلام لم يؤمن معه إلا قليل، ويزداد طغيان الكفر، ويبلغ مداه، عند ذلك يعلن نوح عليه السلام ‏التنصلَ من قوى البشر، والاعتمادَ على ربِّ البشر ﴿فَدَعَى رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾ [القمر: 10]، ما ‏أقرب النصر، فليس بينه وبين الغلبة والقهر إلاّ الفاء ﴿مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾، إن النصر بعيد في نفوسنا فقط، ‏في تصوراتنا فقط، ولو أراد الله أنْ يُهلك اليهود بكل عدتهم؛ بذبابة أو بعوضة أو حشرة، لَفَعَل ‏سبحانه، ولا ما قدروا ردها، لو شاء سبحانه لأهلكهم بالهواء أو الماء، ولو أراد جلَّت قدرته لقتلهم في ‏أجسادهم، ولكن له سبحانه حكمة، قد تظهر لنا وقد تخفى، من ذلك أنه سبحانه يبتلي صبرنا، ويختبر ‏اضطرارنا إليه، ولجوءنا له، واعترافنا بحقه، معاشر الكرام، إذا رأينا مثل هذا الحال، فلندرك أنّ البلاء ‏منّا، والخلل فينا ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ [الشورى: 30].‏
أما نصره سبحانه فقريب، ﴿أَلاَ إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ﴾ [البقرة: 214]، ولكن نحن ماذا فعلنا حتى ‏نستحق نصر الله؟ كيف حالنا مع ربِّنا؟ مع أوامره ونواهيه وحدوده؟ إننا إذا نصرنا ربنا بفعل ما أمر ‏وترك ما نهى؛ نصرَنا الله، أما جعل سبحانه ذلك شرطًا لنصره فقال: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا ‏اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ﴾ [محمد: 7]، بل وأكد ذلك سبحانه بقوله:﴿ وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ﴾‏
معاشر الكرام إن اليهود وأعوانهم ومن في الأرض جميعا ضعفاء أمام قدرة الله، لكن له سبحانه حكمة ‏في إمهالهم، وسيأتي اليوم الذي ينالون فيه جزاءهم، لقد توعدهم الجبار جل جلاله بالنكال والعذاب، ‏فقال سبحانه: ﴿وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا﴾ [الإسراء: 8]، فيا ويحهم من جبروت ‏الله وقدرته.‏
معاشر الكرم، نحن وإنْ تألمنا لِما نرى أو نسمع؛ فلنوقن أنّ الأعداء أيضًا يألمون، وقد أخبرنا الله ‏بذلك فقال: ﴿إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لاَ يَرْجُونَ﴾ [النساء: ‏‏104].‏
لكن الفارق أننا نرجو من الله مالا يرجون، إنهم يرجون دنيا، ونحن نرجو الأخرى، إنهم يدمرون ‏ونحن نبني، إنهم ينشرون في الأرض الفساد، ونحن ننشر الخير والسعادة للعباد، فلنوقن بنصر الله ومدده، ‏ولْنعمل أنْ نكون من أهل ذلك النصر، ولنَمضِ على خطى المتقين، وسبيلِ المؤمنين ﴿قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ ‏أَنَّهُمْ مُلاَقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة: 249]، والانتصار ‏الحقيقي هو انتصار المبادئ، ولو فنيت الأبدان، وقصة صاحب الأخدود خير شاهد، إنّ الأبدان فانية، ‏فقد تموت بتوافه الأمور، وقد يكون ذلك بعظيمها:‏
مَن لم يمت بالسيف مات بغيره *** تعددت الأسباب والموت واحد
‏ الموت ليس هو نهاية المطاف، بل قد يكون بداية النصر والحياة، فالمؤمنون يستبشرون به إذا كان ‏في سبيله سبحانه، ولأجل الدفاع عن دينه كما قال سبحانه: ﴿وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ‏أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ * فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ ‏مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ ‏الْمُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: 170 ، 171]، الناس كلهم يموتون ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ [آل عمران: 185]، ‏ولكن هناك أناس يختارهم الله ويتخذهم، إنهم الشهداء كما قال سبحانه: ﴿وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ﴾ [آل ‏عمران: 140]، ونحسب إنّ إخواننا في غزة كذلك، والله حسيبهم؛ لأنهم مظلومون، ولأنهم يدافعون عن ‏دينهم وأرضهم وأعراضهم ومالهم، وقد قال عليه الصلاة والسلام: "مَن قُتِل دون مالِه فهو شهيد، ومن ‏قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد" [رواه الترمذي، ‏وقال: حديث حسن صحيح].‏
اللهم انصر إخواننا في غزة، اللهم أجبر كسرهم، وداوِ جريحهم، وتقبّل شهيدهم، وارحم ميتهم.‏
اللهم انتقهم لهم ممن بغي عليهم يا ذا الجلال والإكرام.‏
عباد الله، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.‏

________________________________

الخطبة الثانية:‏

أما بعد:‏
فقد يتساءل متسائل: ما دوري وأنا أرى المأساة؟ ماذا أفعل وأنا قليل الحيلة؟ ضعيف الوسيلة؟‏
إنك –أيها الفاضل- تستطيع فعل الكثير، فليس النصر مقصورًا على دبابات وطائرات، وحاملاتٍ ‏وبارجات، وجيوش ومعسكرات، فقد لا يجدي ذلك شيئًا، والله لو جمعت الدول الإسلامية جموعها، ‏وصفت طائراتها ودروعها، وحشدت حشودها وجيوشها ضد اليهود؛ ما أغنى ذلك شيئًا إنْ لم يرِد الله ‏النصر.‏
معاشر الكرام، تذكروا معي –بارك الله فيكم- كيف أيّد الله نبيه بآلافٍ من الملائكة المكرمين، ‏ذوي الخَلْقِ العظيم، والقدرة المبهرة، فقال سبحانه: ﴿إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ ‏بِثَلَاثَةِ آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ ‏آلاَفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران : 124 ، 125].‏
وهل للقوى البشرية قبل بالملائكة العظام؟ كلا، ومع هذه القوة العظيمة، والحشود الملائكية يقول ‏سبحانه: ﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ﴾ [آل عمران : 126]، إنّ هذا التأييد بشرى ‏وطمأنة فقط، أمّا النصر فهذا لله وحده ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾.‏
فالله الله بالثقة بموعود الله، وأنّ نصره قريب، حتى يبقى الأمل يحيي القلوب، ويبعث على العمل.‏
والله ما فعل اليهود ما فعلوا إلا مِن خوفهم وجبنهم، إنهم يعيشون حياة البؤساء، يمشون خائفين، ‏ينامون خائفين، أيّ صوتٍ يفزعهم، وأيّ حدث يرعبُهم ﴿وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ﴾ [الأحزاب : 26]، ‏زادهم الله رعبًا وخوفًا، وتشتتًا وفرقة.‏
معاشر الكرام، مما لا نُعذر بتركه في مثل هذه الأحداث ونحن نتابع تفاصيلها، زيادةُ الصلة بالله، ‏وتغيير الحال مع ربنِّا، إننا نسهم ببعدنا عن ربِّنا في تأخير النصر، وحلول العقوبة، فمتى يتوب المخطئ؟ ‏ومتى تُرفع المظالم؟ ومتى تؤدَّى الحقوق؟ ومتى يعظّم شرع الله؟ أما قال عليه الصلاة والسلام: "ولم ‏ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوهم من غيرهم فأخذوا بعض ما كان في أيديهم" ‏‏[رواه ابن ماجه، والحاكم، وغيرهما، وقال: صحيح الإسناد].‏
ومما لا نعذر فيه الدعاء لإخواننا بالنصر وإزالة الغمة، ورفع البلاء، فهذا سلاح المؤمن القوي، وإنْ ‏زهد فيه الفارغون، وقلّل من شأنه ضعفاء الإيمان والمخذلون، الدعاء هو سلاح الأنبياء قبلنا، هذا ‏إبراهيم عليه السلام دعا لما أُلقيَ في النار، فقال: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهذا نوح عليه السلام دعا لمّا ‏غلبه الأعداء فقال: ﴿أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ﴾، وهذا محمد عليه الصلاة والسلام دعا حتى سقط رداءه، ‏وقنت شهرًا يدعو على الأعداء، فمَنْ يُعذَر في هذا؟
والله إن عجزنا عن الدعاء فنحن عما سواه أعجز، فَلْنُرِ ربّنا من أنفسنا خيرًا، ولنلهج باللجوء إليه ‏سبحانه، علّه يكون في هذه الأمة مسلمٌ مستجاب الدعوة، يغيّر الله بسببه الحال.‏
ومما لا نعذر فيه الإنفاق من المال لمساعدة إخواننا عن طريق القنوات الرسمية المعلنة في هيئة الإغاثة ‏والندوة العالمية للشباب الإسلامي، خصوصًا بعد إطلاق هذه الحملة المباركة من هذه البلاد المباركة؛ ‏لنصرة إخواننا، فلم يبق لنا بعد هذا عذر.‏
وإذا كانت الدولة –وفقها الله لنصرة هذه القضية- قد تكفّلت بالعلاج، فعلينا أنْ نكون عونًا لها ‏في الخير، والحسابات مُعلنة في الجرائد الرسمية لمن أرادها، فلنستجب لهذا، فقد قدّم الله الجهاد بالمال على ‏الجهاد بالنفس في أكثر المواضع في كتابه، ولنبادر استجابة لقوله تعالى: ﴿وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ ‏اللَّهِ﴾ [الحديد : 10].‏
اللهم عجِّل بنصر إخواننا، واشف صدورنا بدحر عدوِّنا يا ذا الجلال والإكرام.‏
عباد الله، صلوا وسلموا على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، محمد بن عبد الله؛ كما أمركم بذلك ‏الله، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ ‏‏[الأحزاب: 56].‏

_____________________
(1) ألقيت بجامع البازعي بتبوك، في 5/1/1430هـ.
(2) أحكام أهل الذمة - (1 / 486).

تعليقات 0 | إهداء 0 | زيارات 993



خدمات المحتوى


تقييم
1.26/10 (16 صوت)

Powered by Dimofinf cms Version 3.0.0
Copyright© Dimensions Of Information Inc.

Copyright © 1445 alatwi.net - All rights reserved

جميع الحقوق محفوظة لموقع الدكتور عويض العطوي - يُسمح بالنشر مع ذكر المصدر.

الرئيسية |الصور |المقالات |الأخبار |الفيديو |الصوتيات |راسلنا | للأعلى

لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس

 لتصفح أفضل: استخدم موزيلا فايرفوكس